الأحد 02 يونيو 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الاعلامى محمد فودة
الاعلامى محمد فودة

◄الوزير الفنان صانع البهجة "التجريدية".. ومؤسس البنية التحتية للثقافة المصرية 

◄أدخل الفنون التشكيلية وفنون الأوبرا فى دائرة الضوء وأصبح لها جمهورها بين كافة فئات المجتمع المصرى

◄أعاد الإعتبار للمواقع الأثرية مستخدماً أحدث أساليب الترميم فى العالم.. ووضع حجر الأساس لمتحف الحضارة

◄المهرجانات الفنية وثيقة تاريخية تشهد على تألق عصره فى جميع  مجالات الإبداع

◄قصور وبيوت الثقافة شهدت نقلة نوعية على يديه فى الأنشطة المتنوعة لمواجهة الافكار الظلامية

 ◄الثقافة والفنون المصرية طافت جميع أنحاء العالم فى عهده وصارت "امبراطورية ثقافية لا تغيب عنها الشمس" 

◄أبهر العالم بفكرة انشاء المتحف المصرى الكبير وتحدى العقبات ليصبح "مشروع القرن"

على الرغم من أن هناك حكمة شهيرة تقول "تكلم حتى اعرفك" الا أن الفنان المبدع فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق ليس فى حاجه الى أن يتكلم حتى نعرف حجم ما قدمه للثقافة المصرية على حوالى مدى ربع قرن قضاها وزيرا للثقافة ، فما تركه فاروق حسنى من انجازات عظيمة وخاصة فى البنية التحتية للثقافة المصرية يكفى لأن نضع ايدينا على طبيعة شخصيته غير العادية فاستطاع وعن جدارة ان يصبح واحدا من أهم من تولوا منصب وزير الثقافة فى العصر الحديث والمعاصر بل أنه كان ومازال وسيظل بالفعل أشهر وزير ثقافة على الإطلاق وهذا ليس كلاماً من قبيل المجاملة نتيجة قربى منه ولكنها حقيقة لا تدع مجالاً للشك لأن ماقدمه للثقافة المصرية ليس قليل وما انجزه من مشروعات ثقافية مصرية يفوق الخيال ، ويكفى أن أقول لو أن أبو الهول نطق وحكى ما شهده تمثاله الشهير بمنطقة آثار الأهرامات لقال الكثير والكثير عن  فاروق حسنى الذى تولى هذا المنصب فى وقت كانت عملية ترميم الآثار تتم فيه باستخدام خامات محلية مثل الجبس والاسمنت وهو بالطبع ما كان يخالف كافة المواصفات العلمية فكان اول ما قام به انه وضع برنامج زمنى وخطة محكمة استهدفت فى المقام الأول إعادة عمليات ترميم المواقع الاثرية والمعابد المنتشرة فى جميع ربوع مصر باستخدام احدث اساليب الترميم والتقنيات العلمية المعمول بها فى اكبر دول العالم فشهدت الاثار المصرية ازهى عصورها حينما كان المجلس الاعلى للآثار يتبع وزارة الثقافة فى عهده فتم بالفعل تنفيذ العديد من مشروعات الترميم التى جاءت بنتائج مبهرة فى وقت قياسى.

فاروق حسنى الذى أكتب عنه الان يمكن ان نعتبره "كوكتيل" من الثقافات التى شكلت ملامح شخصيته نتيجة نشأته فى الأسكندرية التى كانت آنذاك بمثابة العاصمة الثقافية لمصر حيث تنوع الجنسيات وتنوع الثقافات التى أفرزتها منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ، وهو ما ساهم فى تشكيل ملامح شخصيته الابداعية والتى لا تتوقف عند حد معين ، فكلما التقيته اشعر وكأنى اعرفه لاول مرة حيث يبهرنى بفكره المتجدد والمتطور والذى فى كثير من الاحيان أشعر أنه يسبق عصره بعدة خطوات ، فما أن ترك منصب وزارة الثقافة لم يجلس فى بيته يعيش على ذكريات الماضى حيث فاجأ الجميع بإنشاء مؤسسة فاروق حسنى للثقافة والإبداع وهى مؤسسة لا تهدف الى الربح فالهدف منها أن يشارك فى دعم حركة الثقافة والفنون ولكن بطريقته الخاصة فهو كما قال لى عدة مرات أنه يؤمن بأن الابداع مثل الزرع لو لم يتعرض لأشعة الشمس ولو لم يحصل على الكمية الكافية من المياه فإنه يذبل ويموت ، لذا فهو حريص كل الحرص على دعم الجيل الجديد من المبدعين الشباب سواء كان هذا الدعم ماديا بتقديم الجوائز المالية أو بالدعم المعنوى من خلال القاء الضوء اعلاميا على هؤلاء الفنانين الشباب أنفسهم بما يحفزهم على الاستمرار فى العطاء الفنى وبالتالى تتجدد الدماء فى ساحة الفن المصرى ويظهر على مر العصور اسماء كبيرة تذكرنا بجيل الفنانين الكبار.

هكذا يكون فكر الفنان المبدع فاروق حسنى على المستوى الفنى ، بينما على المستوى الإنسانى فهو يحمل بين ضلوعه قلب ممتلئ بالمشاعر الإنسانية النبيلة وهى صفات لمستها بنفسى حينما عملت معه عن قرب مستشاراً صحفياً له طوال فترة عملى بوزارة الثقافة وهو ما يشهد له به جميع من عمل معه فقد كان إدارياً ناجحاً حيث يؤمن بأن رئيس العمل يجب ان يكون محبوباً ومرهوبا من الذين يعملون معه فكنا نواصل الليل بالنهار فى العمل معه دون كلل لأننا كنا نعمل بحب ونحن نساهم فى تقديم اعمال ستظل تذكر الاجيال الجديدة بتلك الفترة المهمة فى تاريخ وزارة الثقافة المصرية. والحق يقال فإننى كلما قررت الكتابة عن الفنان والمبدع فاروق حسنى اشعر بحيرة شديدة فمن اين ابداً الكتابة عن تلك الشخصية النادرة وسط هذا الكم الهائل من المشروعات الثقافية الكبرى التى وضع من خلالها اهم واكبر الانجازات التى شكلت بالفعل البنية التحتية للثقافة المصرية فى عصرنا الحديث والمعاصر.. فهذا هو المتحف المصرى الكبير الذى حينما فكر فى انشائه ابهر العالم كله وجعل الجميع ينظر الى المشروع باعتباره مشروع القرن على مستوى العالم نظراً لضخامته وحجمه الكبير قياساً بالمشروعات الثقافية الاخرى التى كان يجرى تنفيذها فى مختلف انحاء العالم فى مجال المتاحف ، أما متحف الحضارة الذى تم افتتاحه مؤخراً فقد كان مجرد فكرة حلم بها فاروق حسنى وتحدى الظروف الصعبة التى كانت تشكل ملامح هذا المكان الذى تم وضع حجر الاساس فيه فقد كان مجرد بركة مياه  فى منطقة عين الصيرة لم يخطر على بال أحد أنها سوف تتحول فى يوم من الأيام الى منطقة ساحرة وعالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى لتضاهى ارقى المناطق فى اوروبا . أما ما فعله فاروق حسنى فى بيوت وقصور الثقافة فهو تاريخ لايمكن أن يغفله احد حيث تحولت الانشطة الثقافية المتنوعة فى بيوت وقصور الثقافة فى عهده الى حائط صد قوية فى مواجهة الافكار الظلامية والتصدى للفكر المتطرف ، وفى نفس الوقت كان حريصاً كل الحرص على أن تطوف الفنون والثقافة المصرية فى جميع أنحاء العالم لتقديم الفنون الشعبية والاستعراضية والمسرح والموسيقى والغناء والفنون الأوبرالية والفنون التشكيلية وتحولت كل هذه الفنون وكأنها امبراطورية ثقافية لا تغيب عنها الشمس حيث لم يكن يمر يوم الا وفيه نوع من الفنون المصرية تقدم فى دولة من دول العالم شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً مما كان يعكس على أرض الواقع قوة مصر الناعمة وقدرتها على التواجد بشكل لافت للنظر فى جميع أنحاء العالم . وبالطبع فإنه لا يمكن أن ننسى اهتمامه البالغ بالاثار الإسلامية والقبطية وهو ما ترجمه بشكل لافت للنظر فى منطقة مجمع الاديان ليس هذا وحسب بل كان حريصاً كل الحرص على إعادة الاعتبار للاثار الفاطمية فظهر للوجود مشروع تطوير شارع المعز الذى اصبح واحد من اهم المواقع الأثرية التى تمنح الزائر متعة خاصة اثناء التجول فى هذا الشارع الذى يفوح بعبق الحضارة الاسلامية فالشارع يضم مجموعة من البيوت والمواقع الاثرية ذات القيمة المعمارية رفيعة المستوى مثل بيت الست وسيلة ومركز النسجيات والى جواره بيت السنارى وقصر الغورى وبيت زينب خاتون فى نفس المنطقة أيضاً لتتكامل تلك الاثار بين بعضها البعض لتشكل لنا متعة خاصة اثناء التجول بين جدرانها التى تحولت بفضل مشروع التطوير الذى قاده فاروق حسنى الى واحدة من المناطق الاثرية المهمة الجاذبة للزوار من المصريين والاجانب على السواء.

ولم تكن الفنون التشكيلية وفنون الاوبرا بعيدة عن فكر فاروق حسنى فتحولت هذه الفنون من مجرد انشطة محدودة لها جمهورها الذى يعد على الاصابع الى فنون عامة لها جمهورها العريض وذلك من خلال تلك المنظومة التى قادها فاروق حسنى والتى استهدف من خلالها القاء الضوء اعلاميا على هذه الفنون والتكثيف منها بشكل يجعلها جاذبة لكافة الفئات من جميع الأعمار فتحولت معارض الفنون التشكيلية الى أنشطة جاذبة للجمهور العادى وليست قاصرة على الفنانين ونقاد الفنون التشكيلية وينطبق هذا الامر تماماً على الفنون الاوبرالية التى استطاع ان يقدمها ليس فى العاصمة فقط بدار الأوبرا المصرية بل كان حريصاً كل الحرص على ان يتم تقديمها لجمهور الاقاليم فى مختلف محافظات الحمهورية وذلك تحت شعار " الفنون للجميع" وسيذكر له التاريخ أنه لم يترك جمهور الاقاليم محروماً من الاستمتاع بهذه الفنون الرفيعة حيث جعلها تذهب اليه فى محافظات الصعيد والوجه البحرى، ليس هذا وحسب فالوزير الفنان له حس تجريبى رائع جدًا، وهو ما يجعله دائمًا قادرًا على أن يقرب إلينا معاني أشياء لا يستطيع أحد منا حتى مجرد أن يفكر فيها من خلال لوحاته المدهشة، ولعل ما يكشف عن جوانب وملامح رئيسية فى عوالم فاروق حسنى، ما ذكره الناقد التشكيلى الإيطالى إنزوبيلا رديللو، حيث قال: إن لوحات فاروق حسنى تقع فى إطار التجريدية الشعرية، فإن روعة الأزرق والأبيض فى بحيرات ألوانه تتداخل مع عنف الأحمر والأخضر بشكل درامى وكأن اللوحات تشتعل بفعل انسجام داخلى والتى تعد نقطة الانطلاق".

من أجل كل هذا وذلك فإننى حينما اكتب عن الفنان والإنسان والوزير فاروق حسنى فإننى اكتب عن كوكتيل من الموهبة والرؤى والافكار غير المسبوقة التى افرزت لنا مرحلة من اهم وارقى المراحل التى عاشتها وزراة الثقافة فى عهده على مدى ربع قرن .

أدام الله عليه نعمة الإبداع والخلق والإبتكار ومتعه بالصحة والعافية ليظل يمتعنا بأفكاره الرائدة وغير المسبوقة.

تم نسخ الرابط