الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم خير من صلى وصا

الغاز,الحكومة,الدولار,ليبيا,الأولى,طالب,الصناعة,رمضان,شهر رمضان,مسابقة

الإثنين 29 أبريل 2024 - 20:37
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

السيد خيرالله يكتب: وداعًا رمضان

الشورى

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على رسول الله محمد الصادق الأمين، صلى الله عليه وسلم خير مَن صلى وصام وحجَّ واعتمر، وجاهَد في الله حقَّ جهاده، ترَكنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يَزيغ عنها إلا هالك. فرمضان أيام مباركات وليال فاضلات، غادرنا ونحن في شوق إليه، عشنا فيها أجمل اللحظات ثم يغادرنا، وداعًا تلك الليالي الإيمانية الرمضانية، وداعًا تلك النَّفحات الربانية، وداعًا يا عظيم القدر، وداعًا شهر العتق والغفران، شهر الحسنات والخيرات والقرآن، فبالشوق نفتقدك وبالأيام والليالي نترقَّبك، ليطول بنا الانتظار للقائك من عامٍ إلى عام، فاللهمَّ بلِّغنا رمضان مرة أخرى، مضى شهر بأكمله وكأنَّه ساعة من نهار، أو هُنيهة من لَيل المحبِّين، وهكذا الأيام الجميلة تَمضي سريعًا كما أنها تأتي سريعًا، مضى بأثاره الزكيَّة في قلوب الطائعين، وتطهيره لنفوس الصائمين القائمين، فاليوم نودِّع رمضان مرتحلًا عنَّا بما أودَعناه فيه، شاهدًا علينا بما قدَّمناه بين يديه، فهنيئًا لِمن كان شاهدًا له عند الله بالخير، شافعًا له بدخول الجنَّة والعتق من النار، وويل ثمَّ ويل لمن كان شاهدًا عليه بسوء عمله، شاكيًا إلى ربه من تفريطه وتضييعه، قال صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ"، (رواه الترمذي وأحمد).

وقد كان عليُّ بن أبي طالب يُناجي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليتَ شِعري مَن هذا المقبول فنُهنِّيَه، ومن هو المحروم فنعزِّيَه، أي شيء أدرك مَن أدركَه في رمضان الحِرمان؟! كم بين مَن حظُّه فيه القَبول والغفران، ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران! رُبَّ قائم حظه من قيامه السهر، وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش. ‎ بكتِ القلوبُ على وداعك حرقةً كيف العيونُ إذا رحلتَ ستفعلُ؟ فعساكَ ربي قد قبِلت صيامنا وعساكَ كُلَّ قيامنا تتقبلُ إن كانَ هذا العامَ أعطى مهلةً هل يا تُرى في كُل عامٍ يُمهِلُ؟

 

وداعًا رمضان شهر الصيام، وداعًا رمضان شهر القيام، وداعًا رمضان شهر القرآن، وداعًا رمضان شهر الصدقات، وداعًا رمضان شهر الإحسان، وداعًا رمضان شهر الإيمان، وداعًا رمضان شهر ليلة القدر، وداعًا رمضان شهر العتق والغفران، وداعًا رمضان المسابقات، وداعًا رمضان شهر تغلق فيه أبواب النيران، وداعًا رمضان تفتح فيه أبواب الجنان، وداعًا رمضان شهر إجابة الدعوات، وداعًا رمضان شهر تنزل الرحمات، وداعًا شهر التراويح، وداعًا شهر القيام، وداعًا شهر الخشوع والبكاء. لا يستوي من كان يعملُ مخلصًا هوَ والذي في شهره لا يعملُ

فمن علامات قبول العمل الصَّالح عند الله رب العالمين أن يوفَّق العبدُ للعمل الصالح ويستقيم على ذلك في غالب أحواله، ومن علامة ردِّ الطاعة فعل السيئة بعدها، فلنجتهد جميعًا في إتْباع الحسنة بالحسنة، ومحو السيئة بالحسنة بعدها، وصدق الله العظيم: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].

 

وداعا رمضان..أليس غريبا أن تودّع ضيفا ً قبل وصوله؟ إلا أن هذا الضيف الغالي “رمضان” رحل عنا منذ زمن أحسبه يعود إلى فترة الطفرة الأولى ،وحل محله رمضان آخر بملامح نعرف أقلّها وننكر معظمها، وداعا رمضان.. فرمضان القديم لم يكن "أولمبياد" طعام يتضاعف فيه استهلاك المواد الغذائية عدة أضعاف ولم يكن موسم تليفزيون يجمد أمامه ـ كالخُشب المسندة ـ النساء والرجال والكبار والصغار، ولم يكن يأتي وفي صحبته مسلسلات لها أول وليس لها آخر، وليس في واحد منها شيء عن تزكية النفس أو تنقية الروح، لم يكن مسابقة في الفتوى بين المفتيين، ولا في الجمال بين المذيعات، ولا في الذكاء بين المحللين السياسيين، لم يكن مدرسة للعادات السيئة يتعلم فيها الصغار الطعام المتصل، والعبث المتصل، والسهر المتصل، في رمضان القديم كان الطلاب يذهبون إلى مدارسهم كالمعتاد، وكان الموظفون يمارسون عملهم كالمعتاد أما في رمضان الجديد فقد أصبحت دراسة الأطفال عقوبة جسدية ومعنوية قاسية لا مبرر لها، أما دوام الموظفين فقد تحول إلى "وصلة" نوم وخمول واستجمام من سهر الليلة السابقة واستعداد "لملاحم" الليلة المقبلة، أي هدف من أهداف الصيام الربانية يتحقق في رمضان الجديد؟ أي "تقوى" يمكن أن يحس بها شخص يلهث متلظماً من حسناء في مسلسل إلى حسناء في مسلسل؟ أي شعور بمعاناة الفقير يحس بها صائم يأكل في ليلة واحدة ما يكفي قريةً إفريقية بأكملها؟ أي صحة يمكن أن تجيء من التهام واثب لأطعمة تقود إلى مختلف أنواع المرض؟ أي روحانية يمكن أن يحس بها الصائم في شهر يجسد المادية الطاغية بدءاً بالإعلانات وانتهاء بجوائز المسابقات؟ الحق أقول لكم، ولا أدري عنكم أنا أحن إلى رمضان القديم .. كثيرا .. كثيرا.

اللهمَّ اجعلنا ممن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا فيه من عُتقائك، واجعلنا فيه من المتقين، ولا تجعل للشيطان علينا من سبيلٍ