لسنا أوصياءعلى ضمائر الناس لكن المشكلة أنه أصبح الضمير لدينا واحدامن الممتلكات القابلة للبيع مثل أية سلعة وحقا

الجمهور,اليوم

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
السيد خيرالله يكتب: المال والضمير

السيد خيرالله يكتب: المال والضمير

لسنا أوصياءعلى ضمائر الناس لكن المشكلة أنه أصبح الضمير لدينا واحدامن الممتلكات القابلة للبيع مثل أية سلعة وحقا لا أدرى منذ متى أخذ هذا الوجدان بالتدهور إلى الحضيض لكن أدرى أنه منذ عقود بعيدة كان فاقد الضمير فاقد الشرف ولكنك الآن تستطيع أن تشترى أحد الضمائر وتدفع مثلما تستطيع أن تشترى كيلو بصل والضمير الذى تشتريه يمكن أن يبلى فتلقى به إلى سلة المهملات مثل أى حذاء يعتق فتشمره إلى حاوية الزبالة فماذا حدث لنا؟.

حتى الآن لا نملك مصدات وضعية تمنع عملية بيع وشراء الضمائر فقط حين يسقط ضحايا لهذه النذالة وليس ثمة بيع للضمائر طبعا لا يسقط بعدها ضحايا وقد يكون ضحية ذلك قوت الشعب أو المال العام أو قطرة الحياء أو ساحة للعدالة وقد يكون الضحية وطنا بأكمله فالضمير لا يبيعه المحتاجون إلى المال أو الطامعون.. بالثروة ثمة من يدنس ضميره فى ألاعيب يضلل بها الجمهور لصالح فكرة غاشمة أو لشفاء غليل أولعاهة من عاهات الشيزوفرينيا.

فى كل الإحوال فإن سعر الضمائر تحدده سوق التداول وفى السياسة تنتعش هذه السوق ولها تجار ومافيات وشاشات ملونة الضمير وليس مانع  من رقيب ضابط حين يغيب أوعندما يصبح غيابه مقبولا وشائعا فإن ذلك يعنى أن الأمة تواطأت مع حتفها وسقط عمود منها فى جاذبية الدناءات ونأت عن التفريق بين ما هو حق وما هو باطل ولحسن حظنا أن أصحاب الضمائر كثيرون وهم قابضون عليه كالقابض على الجمر سعداء بما يعانون شامخون حيال الإغواء والبيع والشراء والتزاحم على الدبق مقابل حفنة وضعت ضمائرها فى السوق والبعض يتحرك ضميره أحيانا ليندم على فعل مخزٍ لكنه سرعان ما يندم على أنه ندم.

ولكن نحن نعيش فى زمن غريب موازينه مقلوبة وناسه أصبحت بلاضمير ولا رأى ولا أخلاق للأسف قد تسكت عن خطأ واضح قد تصمت وتتوارى عن فساد يستشرى ويأكل المكان.. قد تعمى عينها وبصيرتها من أن تنكر منكرا قد تصفق وتبتسم لأخطاء ولتمثيل وسيناريوهات ركيكة الضمائر طالها الفساد والعفن وحكم عليها بالموت لدرجة أنها لم يعد لها كيان يميزها.. نعيش فى زمن يعج بقائمة من ساسة أسهل ما عليها أن تبيع ضمائرها بزينة زائلة وبمبالغ زهيدة وقد تبيع صاحبا وقد تنسى قرابة وتكون من النذالة ما يفوق الوصف والتصديق غير عابئين  بمبدأ أو خلق وغير مدركين أنك يمكن أن  تشترى به منصباً لا احتراما وأن تشترى به سريراً لا نوما وأن تشترى به دواء لا عافية فالضمير الآدمى اليوم فى وطننا يباع ويشترى فى سوق وبأبخس الأثمان بفعل ساستنا وبكل وقاحة.

لقد كان بيع الضمائر مستتراً أما بيعه اليوم فأضحى ظاهراً فى محل رفع ونصب وجر ويقبح البيع والشراء حين يكون على حساب الدين أو الوطن وتزيد هذه المعاوضة قبحاً حين تغيب الصفقة ويظهر أثرها باسم الوطنية أو الحرية أو الإنسانية..إلخ وتزداد خطراً حين يغيب هذا كله عن عين الراعى والرعية.

وللأسف فقد قل الشرف وانحسر الإباء فرخص الضمير نتيجة كثرة العرض فظهر من يوظف قلمه ليهدم شعائر دينه ويقوض أركان وطنه ليبنى على أنقاضه دولة مفسدين بلباس مصلحين وظهر من يوظف لسانه ليستبيح به الدين وأهله وأغرب من هذا وذاك من باع ضميره وهو لا يدرى وباع معه نفسه ومهجته ففخخ وجهز ودبر وفكر وقدر لينسف البنيان ويقتل الإنسان ألا ساء ما يزرون.

إن  الفساد الذى يستشرى سريعا يحتاج تدخلات لاقتلاعه ولمضادات وعلاجات قد يستدرك بها ما يمكن علاجه. إن  بعض الناس اليوم يبيعون وطنهم ومصلحة أجيال فى سبيل منصب وحصانة دون أى اعتبار منهم لمصلحة أبناء جلدتهم يبيعون لهم الوهم والضمير والأخلاق فالكل مباح وصالح للبيع فى ميزانهم وعقيدتهم فالغاية عندهم تبرر الوسيلة.. أنا لست فى معرض محاسبة الناس واتهامهم لكن ما نحن فيه حقاً من شقاء يحتاج إلى أن ينظر كل منا إلى ضميره نظرة فاحصة وزيارة مفاجئة إلى داخله فأغلب الظن أن ما سنراه سيصيبنا بحزن يفوق حزننا على ضعف القلب وتهالك الكبد. لقد جربنا أشياء كثيرة  فلنقم إذن بتلك الزيارة المؤجلة إلى دواخلنا علها تحل معادلة الكآبة التى تحيط بنا وتعيد الاتزان أو جزءا منه إلى أرواحنا وتؤجل عملية البيع إلى أجل غير مسمى.