مع التطورات التكنولوجية الهائلة والمتسارعة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة تضاعفت المعرفة البشرية وتطورت

الجمهور,كورونا,العالم,الاتصالات,2020,2021,مواقع التواصل,مبادرة,الإعلام,يوم,الأولى,استيراد,النفط,فقدان,السياحة

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 11:01
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
سامر رجب يكتب: المجال الإعلامي والتحول الرقمى

سامر رجب يكتب: المجال الإعلامي والتحول الرقمى

مع التطورات التكنولوجية الهائلة والمتسارعة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة تضاعفت المعرفة البشرية، وتطورت وسائل وأساليب تعلمها وتعليمها وحفظها وتداولها.

 

وقد أدى تغلغل التكنولوجيا الحديثة في كل المجالات إلى تغيير حاسم في طبيعة الخدمات والمنتجات والمعارف ومفهوم عنصر الزمن الذي يحكم كل ما يحدث من تطورات. وفي عام 2015 أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي مبادرة التحول الرقمي Digital Transformation Initiative بوصفها جزءا من مبادرات متعددة أطلقها العالم لتشكيل المستقبل (ITU and Cisco launch digital transformation initiative 2021) ويُعد التحول الرقمي المرحلة الثالثة من تبني التكنولوجيا الرقمية، التي تمر بثلاث مراحل (الكفاءة أو المهارة- والاستخدامات الرقمية- والتحول الرقمي).

 

والتحول الرقمي أساس الثورة الصناعية الرابعة؛ بسبب ما أحدثه من تغير تكنولوجي ينطوي على اعتماد مهارات جديدة للأفراد، إضافة إلى إعادة هيكلة المؤسسات، وقد أحدثت هذه الطفرة التكنولوجية نقلة نوعية في أداء المؤسسات المجتمعية المختلفة التي أدركت أهمية اللحاق بثورة التقنيات الحديثة لتكون أكثر إدراكا ومرونة في العمل، وأكثر قدرة على التجديد والإبداع والابتكار . (Braña 2019)

 

ومن هنا؛ أصبح "التحول الرقمي" ضرورة حتمية واتجاها عصريا يتوافق وطبيعة ما يشهده عالمنا من متغيرات وما تصبو إليه دول العالم وشعوبها من تطور وازدهار، والتحول الرقمي في المؤسسات يعني الانتقال من الاتجاهات والأنماط التقليدية الحالية إلى الاتجاهات والأنماط المستقبلية التي تشدد على إنتاج المعرفة وابتكارها والانفتاح على الثقافة العالمية؛ بما يكفل عدم العزلة عن العالم من جهة، ويحفظ الهوية الدينية والثقافية والقيمية من جهة أخرى.

 

وإذا كانت كل المؤسسات المجتمعية مطالبة باللحاق بركب التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية التي أحرزتها البشرية؛ فإن المؤسسات الإعلامية هي الأكثر اهتماما والأجدر مطالبة بالتفاعل مع التطورات التكنولوجية الحديثة والانخراط في العصر الرقمي الذي تتسارع خطواته وتتنامى قدراته يوما بعد يوم.

 

 

وقد أسهمت جائحة كورونا التي واجهها العالم بداية عام 2020 في الإسراع باتجاه وسائل الإعلام التقليدية نحو التحول الرقمي، والاعتماد على نظم وأساليب تكنولوجية متطورة؛ للتغلب على حالة التوقف والإغلاق التي فُرضت على الكثير من دول العالم، وتزايد عدد السـاعات التي يمضيها الأفــراد أمام شاشــات التليفزيون ومنصات الإعلام البديل؛ للبحث عن المعلومات والأخبار حول الجائحة وتطوراتها، والاعتــماد عليها بوصفها وسيلة أساسية- وربما وحيدة- لقضاء الوقت وتحقيق المتعة والتسلية والترفيه في ظل التوقف شبه الكامل للمسارح ودور السينما والمقاهي وأماكن اللعب والترفيه.

 

وفي الوقت الذي تعرضت فيه قطاعات اقتصادية متعددة لأضرار وخسائر فادحة بسبب جائحة كورونا، كقطاعات السياحة والسفر وصناعة النفط وتجارة التجزئة وتجارة الأسهم والسندات، فإن قطاع تكنولوجيا الاتصالات وخدمات الإنترنت حققت طفرة في حجم أنشطتها؛ فقد أدت حالة العزلة والتباعد الاجتماعي التي فرضتها جائحة كورونا إلى انفراد الشركات العاملة في هذا القطاع بتقديم الخدمات للمواطنين عبر الإنترنت، وحققت شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة وحدها أرباحا بلغت 38 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2020، وأعقب ذلك ارتفاع في الطلب على خدمات الشركات العملاقة ومعه مزيد من الأرباح.

 

وجاءت شركة أمازون Amazon في الصدارة بفضل الزيادة الهائلة في أعداد المتسوقين عبر الإنترنت، وقد ضاعفت دخلها ثلاث مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق (Mattioli 2020) .

 

كما حققت شركة أبل Apple زيادة كبيرة في مبيعات هواتف آي فون iPhone وغيرها من الأجهزة، كما قفز مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي (Facebook- WhatsApp- Instagram) بنسبة وصلت إلى 15% تقريبًا (Koeze and Popper 2021)، وانتعشت صناعة الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والتابلت والموبايل التي أصبحت في كثير من دول العالم الوسيلة الأنسب للتعليم في ظل توقف الدراسة في المدارس والجامعات بسبب الجائحة، فأقبلت المؤسسات التعليمية على استيراد الملايين من تلك الأجهزة لتتمكن من استمرار الدراسة والتواصل مع طلابها؛ مما دفع بالشركات المنتجة لتلك الأجهزة لتحقيق المزيد من الأرباح.

 

ويمكــن القول أن فــيروس كــورونا غيَّر أنماط الحياة في العالم، وحصر أنشطة الناس داخل منازلهم لفترات طويلة؛ حيث نشطت الشركات والمؤسسات المتخصصة في إنتاج الأفلام والمسلسلات خارج شاشـات العرض التقليدية، وقدمتها من خلال منصات رقمية نجحت في جذب المشاهدين لمتابعة الأعمال السينيمائية والتليفزيونية، وسرعان ما وجد المشاهدون ضالتهم في هذه النوعية من الخدمات الترفيهية التي تُــقدم دون فواصل إعلانية وفي الأوقات التي يرغبون المشاهدة فيها.

 

وقدّم بعض تلك المنصــات خدمات مجانيــة أو مقابل اشتراكات رمزية، وجاءت شركة نتفليكس- Netflix الأمريكية في مقدمة تلك الشركات التي حققت انتشارا واسعا وشهرة عالمية، كما توجد شركات أخرى منافسة مثل هولو- Hulu وأمازون Amazon، إلى جانب بعض الشركات التي ظهرت في المنطقة العربية، مثل منصة Watch it المصرية ومنصة شاهد Shahid ومنصة WAVO التابعة لشركة OSN (Allam and Chan-Olmsted 2021).

 

ومن هنا، فقد فرضت جائحة كورونا واقعًا جديدًا أجبر كل المؤسسات الإعلامية على اللحاق بسرعة بالعصر الرقمي، وإلا فلن تجد لها مكانا في ظل منافسة شرسة لا ترحم. ويبدو أنه سيكون من الصعب جدا عودة الإعلام – بعد انتهاء الجائحة - لما كان عليه من قبلها؛ لأن مسيرة التحول الرقمي بدأت في الإسراع في مسيرتها بقوة تحت تأثير كورونا، ولن تتوقف لاسيمــا مع توفر الإمكانيات الداعمة لهذا التحول.

 

ويخطيء من يظن أن التحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية لا يعدو الانتقال السريع من استخدام وسائل وتقنيات قديمة واستبدال بها وسائل وتقنيات حديثة؛ ذلك أن التحول الرقمي يتطلب تغييرًا حقيقيًّا في هيكلة عمل تلك المؤسسات، وتحولاً جذريًا في صناعة المحتوى الإعلامي وطرق تقديمه للجمهور والتحرر من القوالب الجامدة والساكنة، وابتكار أساليب جديدة تعزز مكانة وسائل الإعلام التقليدية وقدرتها على التأثير من خلال منصات تفاعلية تواكب احتياجات الجمهور وأذواقه.

 

وقد أصبح التحول الرقمي في الإعلام واقعًا معاشًا في الدول المتقدمة التي دخلت بالفعل عصر الإعلام عبر المنصات الرقمية، وفتحت شبكات الجيل الخامس الباب أمام التحول الرقمي الذي شمل كل أساليب الممارسة الإعلامية استنادًا إلى التقنيات الحديثة، وأصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي جزءًا رئيسًا في الطفرة التي يشهدها الإعلام المعاصر.

 

 

وأصبحنا أمام واقع يصعب فيه الفصل بين الواقع والشبكات الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكية، وبات كل ذلك يندرج تحت مسمى "الحقيقة المبرمجة" Compact Reality، ومع استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تزايدت قدرة الآلات والروبوتات على معالجة البيانات والتعامل مع المحتوى الإعلامي ومراجعة النصوص بل تقديم نشرات الأخبار والبرامج التليفزيونية، وأصبح توفير التقارير الإخبارية الآلية أمرًا متاحًا، كما استُبدل الروبوتات بالعنصر البشري من مراسلين ومصورين، ففي تقرير نشرته وكالة الأسوشيتدبرس كشفت فيه عن أنها استعانت بأحد عشر روبوتا لتصوير مباريات الدورة الأوليمبية التي أقيمت عام 2016، وأنها استطاعت– من خلال ذلك- التصوير من زوايا يصعب على البشر القيام بالتصوير منها، كما استخدم روبوت درونز لتغطية نزوح المئات من العراقيين في منطقة جنوب الموصل، كما أصبح استخدام المتحدث الآلي– Chatbot- أمرا عاديا في مواقع التواصل الاجتماعي، فمثلاً يستخدم موقع فيسبوك "ماسنجر" ما يقرب من 30 ألف Chatbot للرد على رسائل المستخدمين أو المشتركين في الصفحات، كما وفرت تقنيات الذكاء الاصطناعي الكثير من الجهد والوقت المبذول من جانب الصحفيين والإعلاميين في جمع المعلومات والأخبار وصياغتها .

 

وإذا كانت وسائل الإعلام في الدول المتقدمة قد قطعت شوطًا كبيرًا وحققت تقدما ملحوظا في مجال التحول الرقمي الذي أصبح واقعا معاشا لدى الكثير منها، فإن وسائل الإعلام في المجتمعات النامية والعربية لا تزال تخطو خطواتها الأولى في هذا المجال، بل إن البعض منها ربما يعجز عن استيعاب التقنيات الحديثة لأسباب متعددة؛ منها ضعف الإمكانيات وقصور النظم والمؤسسات الإعلامية ذاتها.

 

ويتساءل الكثيرون، هل سيؤدي التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي إلى اندثار وسائل الإعلام التقليدية وفقدان العاملين في تلك الوسائل وظفائهم في غضون سنوات قليلة؟! وهل سيظل العنصر البشري هو الطابع المميز للعمل الصحفي والإعلامي، أم أن الآلة سوف تحل تماماً محل البشر؟!.

 

وإذا كان الكثير من التقارير يتحدث عن فقدان الكثير من الوظائف التي يشغلها الناس في مجالات العمل المختلفة بسبب إحلال الآلة محلهم؛ فإن الشيء نفسه سيحدث في قطاع العمل الإعلامي، ولكن العنصر البشري سيظل لسنوات طويلة قادمة عنصرًا مهمًّا من عناصر العمل الإعلامي، وسوف يعتمد إعلام المستقبل على عمل الصحفيين والإعلاميين جنبًا إلى جنب مع الآلات الذكية، وهو ما يتطلب جهدا مضاعفا من جانب المؤسسات الإعلامية - ولاسيما في الدول النامية والعربية من بينها - لتطوير برامجها وآليات عملها وتطبيقاتها الذكية لتستطيع الصمود والبقاء في حلبة المنافسة، فهل تستطيع فعل ذلك في الوقت المناسب؟ هذا هو السؤال.