لفت انتباهى تلك التصريحات المهمة التى أدلى بها السفير محمد إدريس مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة

2020,الأمم المتحدة,القاهرة,العالم,حماية,خالد الطوخى,مصر,يوم

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
خالد الطوخى يكتب: مصر وثقافة السلام والتسامح من أجل حماية المواقع الدينية

خالد الطوخى يكتب: مصر وثقافة السلام والتسامح من أجل حماية المواقع الدينية

الأمم المتحدة تعتمد قرارًا يعكس رغبة القاهرة فى تعزيز قيم التسامح والتعايش المشترك

باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار الذى قدمته مصر، بالاشتراك مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة، بعنوان "تعزيز ثقافة السلام والتسامح من أجل حماية المواقع الدينية" تكون القيادة السياسية ومن خلال مؤسسات الدولة قد حققت إنجازاً تاريخياً عظيماً يضاف إلى سلسلة الإنجازات الكبرى التى حققتها ولا تزال تحققها الدولة المصرية على المستويين الإقليمى والعالمى خلال السنوات القليلة الماضية.

وقد لفت انتباهى تلك التصريحات المهمة التى أدلى بها السفير محمد إدريس، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، والتى أشار فيها إلى أن هذا القرار يأتى على خلفية تصاعد حالات التعصب الدينى والتمييز على أساس الدين وتزايد الحاجة إلى تعزيز قيم التسامح والتعايش المشترك وقبول الآخر، لذا فإن هذا القرار فى مجمله يحث جميع الدول على اتخاذ تدابير فعالة للتصدى لدعوات الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التى تشكل تحريضا على التمييز أو العنف.

والحق يقال فإن قرار حماية المنشآت الدينية الذى قدمته مصر مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة ليس الأول من نوعه، فهو القرار الثانى الذى تقدمه مصر وتعتمده الأمم المتحدة خلال شهرين فى مجال ثقافة السلام وتعزيز قيم التسامح والحريات الدينية، حيث كانت الأمم المتحدة قد اعتمدت يوم 21 ديسمبر 2020 قرارا يقضى بإعلان 4 فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، وهو القرار الذى كانت قد قدمته مصر والإمارات. 

وهذا بالطبع لم يأت من فراغ أو أنه وليد الصدفة فاهتمام مصر بهذا المجال ينبع من موقعها الحضارى كمنارة للاعتدال والوسطية والتعايش المشترك، وأيضاً من واقع مسئوليتها فى المساهمة الفعالة فى مساعى تعزيز الحوار البناء بين الأديان والثقافات، والتصدى لحالات التمييز السلبى التى يتعرض لها الأشخاص بسبب معتقداتهم الدينية فى مختلف أنحاء العالم.

واللافت للنظر أن هذا القرار يدين جميع الاعتداءات على الأماكن والمواقع الدينية، ويدعو الدول إلى دعم خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية، وفى هذا السياق فإن القرار لم يتوقف عند هذا الحد التوعوى بل إنه يطالب أيضاً السكرتير العام للأمم المتحدة بعقد مؤتمر عالمى يهدف إلى اتخاذ إجراءات محددة من أجل تنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة التى تستهدف فى المقام الأول حماية المواقع الدينية، وهى الخطة التى أعدها مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ليس هذا فحسب بل مع التأكيد على أن المسئولية الأساسية فى هذا الشأن تقع على عاتق الدول أنفسها كل دولة حسب ظروفها وطبيعة تكوينها .

وحتى نضع أيدينا على أهمية هذا القرار الأممى التاريخى فإنه ينبغى علينا أولا أن نعرف معنى التسامح بشكل مبسط ومفهوم بعيداً عن التعقيدات اللغوية والتراكيب اللفظية، فالتسامح فى حقيقة الأمر هو مفهوم أخلاقى اجتماعى وهو أحد المبادئ الإنسانية حيث دعت إليه كافة الرسالات السماوية وأكد عليه جميع الرسل والصالحين، ودعمه ودعا إليه المصلحون، ذلك لما يمثله التسامح من قيمة كبيرة فى تماسك المجتمع ونبذ الخلافات والصراعات.

وحينما يتعلق الأمر بالتسامح فلابد أن نضع فى الاعتبار أثره الكبير على الفرد والمجتمع معاً، فهو لا شك ينطوى على صفات نبيلة وتصرفات راقية يعود أثرها الإيجابى على الفرد نفسه، وعلى الآخر بالإيجاب، بل إن الأثر نفسه تمتد إيجابيته لتشمل المجتمع ذاته.. وكيف لا يكون الأمر على هذا النحو وكلنا نعى جيداً أن التسامح فى حد ذاته وبشكل عام يعنى فى مفهومه البسيط نبذ الخلافات، والتخلص من الرغبة فى الانتقام وتنقية النفوس من آفة الحقد والغضب والكراهية وبالتالى فإن ذلك ينبئ أيضاً عن تنقية الروح من الشوائب التى قد تعتريها حينما يتملكها الغضب وتسيطر عليها الكراهية.. فأن تتسامح يعنى نسيان ما وجهه لك الآخرون من إساءة، والصفح عن الأخطاء والعفو عما مضى، وفتح صفحة جديدة خالية من الأحقاد والضغائن فجميعنا بشر وجميعنا يخطئ وبالتالى فإن خيرنا من يسامح ويعفو وبالطبع فإن ذلك فى نهاية الأمر يعود على الجميع بشكل إيجابى وبنتائج ربما لم تكن متوقعة من كثرة ما تتضمنه من خير ورزق وسعادة بما يشير أيضاً إلى أن التسامح يحقق للفرد الطمأنينة والسلام النفسى، فالمعروف علمياً أن التخلص من الكراهية بمثابة التخلص من السموم داخل الجسم.

وقد ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير بوصف الكراهية والغضب بأنهما سموم الروح، وبالتالى فإنه بالسلام الداخلى للفرد يتحقق السلام والمحبة بينه وبين الآخرين وهو ما يتجلى بوضوح حينما نجد المجتمع وقد تحول إلى مجتمع يقوم على المحبة والسلام والاستقرار.

وبعيداً عن كل هذا وذاك فإننى يحدونى الأمل فى أن يحقق هذا القرار الذى اعتمدته الأمم المتحدة مؤخراً تنمية حقيقية فى نشر وتعزيز ثقافة السلام فيما يتعلق بالعلاقات بين الأفراد والجماعات والدول، وجعل هذه الثقافة درعاً قوياً يصد هجمات التطرف والكراهية والعنف خاصة النوع الذى يكون مبنياً على وجود الاختلافات بين البشر بالأعراق والأديان والثقافات، إضافة إلى تسخير ثقافة السلام نحو حماية المواقع الدينية والرموز الدينية من أعمال العنف والاستفزاز والسخرية، والحرص على تجنب الصدام بين القيم والمعتقدات الدينية وبين قيم التسامح وحرية التعبير عن الرأى وذلك عن طريق الاحترام المتبادل والإدراك الذاتى للحدود التى ينبغى التوقف عندها منعاً لإثارة الفتن والاستفزاز. فمن بين أهداف هذا القرار الأممى التأكيد على أنه لا يوجد مبرر لاستخدام العنف فى التعبير عن وجهات النظر، خاصة فيما يتعلق باحترام الاختلاف فى الأديان والمعتقدات، إلى جانب التأكيد أيضاً على الأهمية الكبيرة والمكانة السامية التى تحظى بها المواقع الدينية، مع ضرورة العمل على رعايتها وحمايتها، بوصفها قلاعا للسلام ومراكز للتنوير ووعاء للتاريخ، والوضع فى الاعتبار حقيقة مؤكدة وهى أن روابط الإنسانية فى أسمى معانيها تتمثل فى أساس المساواة فى الحقوق والكرامة بين الشعوب، وأن هذه التوعية الكبرى التى أقرتها الأمم المتحدة هى مسؤولية يتحملها العالم أجمع فضلاً عن كونها التزاماً بالمبادئ والمقاصد المكرسة فى ميثاق الأمم المتحدة، فالمواقع الدينية كانت ولاتزال وستظل هى أماكن سلام وعبادة كما تجسد أيضاً تاريخ الشعوب ونسيجها الاجتماعى.