◄ السوق السوداء لأدوية المناعة وبروتوكولات العلاج تفتح المجال للتلاعب بصحة المرضى. فى ظل الأزمات

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

خالد الطوخى يكتب : «التجار ة الحرام» فى زمن «كورونا»

خالد الطوخى - صورة أرشفية  الشورى
خالد الطوخى - صورة أرشفية


السوق السوداء لأدوية المناعة وبروتوكولات العلاج تفتح المجال للتلاعب بصحة المرضى.

فى ظل الأزمات وفى أثناء الظروف الاستثنائية التى يمر بها أى مجتمع ينشط فئة من أصحاب الضمائر الميتة ونجدهم يتفننون فى البحث عن وسائل وطرق من أجل تحقيق الكسب الحرام حتى وإن كان ذلك على حساب المواطن البسيط دون مراعاة لأية اعتبارات إنسانية، فتجارة السوق السوداء كانت وستظل عملا دنيئا ترفضه كافة الأديان السماوية فهى عبارة عن تصرفات لا أخلاقية  تتعارض مع الطبيعة السمحة التى خلقنا عليها الله عز وجل.

أقول ذلك بعد أن تابعت عن قرب خلال الأيام الماضية ما صدر عن عدد من نواب البرلمان من تصريحات وبيانات شديدة اللهجة حذروا فيها من احتكار أدوية المناعة وتخزينها، وطرحها فى السوق السوداء بأسعار مضاعفة، فى أعقاب تكالب عدد من المواطنين عليها بعد الترويج لعدد من البروتوكولات العلاجية عبر مواقع التواصل، مطالبين بشن المزيد من حملات الرقابة والتفتيش وتفعيل منظومة العلاج الحر وذلك من أجل القضاء على هذه الأزمة خاصة بعد اختفاء أدوية المناعة من السوق فى الوقت الذى يتم طرحها فى السوق السوداء بأسعار مضاعفة ونظرا للحالة العامة واستغلال أزمة فيروس كورونا وحالة الهلع التى سيطرت على الناس فإنه يتم رفع الأسعار من قبل البعض فى خطوة تمثل خطورة على الصحة العامة للمواطنين سواء من حيث حرمان شخص مريض بالفعل فى حاجة للدواء، أو أخذ دواء دون استشارة طبيب، حيث يعتمد البعض على البروتوكولات التى يتم نشرها على مواقع التواصل، فى الوقت الذى قد تمثل هذه الأدوية خطورة على بعض الأشخاص نظراً لطبيعة كل شخص عن الآخر والتفاعلات الدوائية.

 واللافت للنظر أن هذه الأزمة منتشرة بكثرة فى المدن عن القرى وهذا يرجع إلى انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وما يتم تداوله عليها والترويج له من بروتوكولات العلاج وكواشف لفيروس كورونا وعلى الرغم من تحذيرات وزارة الصحة من هذه المعلومات المتداولة عبر مواقع السوشيال ميديا، فإن هناك عددا من المواطنين مازال يشترى الأدوية ويخزنها لمجرد الترويج لها عبر مواقع التواصل، وبالتالى نجد هناك مجموعة من أصحاب الضمائر الميتة يستغلون هذه الأزمة ويقومون برفع الأسعار وبيع هذه الأدوية فى السوق السوداء.

 وهنا فإن الحل الأمثل لهذه الأزمة يتطلب من المواطنين عدم تخزين الأدوية، وعدم شراء أية أدوية إلا فى وقت الحاجة فقط، خاصة أن جميع الأدوية التى يتم الترويج لها متواجدة ولكن نظرا للتكالب عليها بكثرة يوجد شريحة تستغل هذا الأمر للربح من الأزمات، ولكن فى تقديرى الشخصى فإنه فى حال وعى المواطنين والتزامهم وعدم تخزين الأدوية لن تكون هناك أزمة سواء فى ارتفاع السعر أو فى عدم وجود الأدوية مما يعظم من دور التفتيش الصيدلى الذى يقع عليه دور كبير خلال هذه الفترة فى التصدى لبعض الممارسات التى يقوم بها البعض من راغبى التربح من الأزمات، ولكن ذلك لن يتحقق دون أن يكون هناك حلقة وصل بين التفتيش والمواطنين بحيث يتم ذلك من خلال الإبلاغ عن التجاوزات وبالتالى فإنه يتم تنظيم حملات مفاجئة للتصدى لهذه الوقائع وإلقاء القبض على تجار السوق السوداء وهم فى حالة تلبس وبالتالى يأخذ القانون مجراه فى هذه الوقائع فيكونون عبرة للجميع مما يترتب عليه تراجع فى هذه التصرفات.

 ليس هذا فحسب بل إننى أرى ضرورة تغليظ عقوبة احتكار الأدوية وطرحها فى السوق السوداء بأسعار مبالغ فيها، ففى وقت الأزمات لابد من تضافر الجهود جميعها، فالدولة تبذل جهودا قوية منذ بدء الأزمة وحتى الآن، وبعض الممارسات غير السوية لتجار السوق السوداء قد تهدر هذه الجهود، ولهذا لابد من شن مزيد من حملات التفتيش وزيادة الرقابة خلال الفترة الراهنة، وإلقاء الضوء على مثل هذه الممارسات فى مختلف وسائل الإعلام حتى يعرف مرتكب هذه الجرائم أنه لن يفلت من العقاب وأنه سوف يأخذ الجزاء الذى يستحقه.

ومن ناحية أخرى فإننى أرى ضرورة تفعيل منظومة العلاج الحر باعتباره أحد أبرز الحلول العملية لهذه الأزمة ففى حال قيام المنظومة بواجباتها لن تكون هناك مثل هذه الممارسات الخاطئة، بالإضافة للتفتيش والرقابة، فضلاً عن ذلك فإنه على المواطنين عدم الانسياق وراء كل ما يتم الترويج له عبر مواقع التواصل بشأن بروتوكولات العلاج أو أدوية بعينها لعلاج الفيروس، خاصة أن كل الأدوية التى يتم الترويج لها هى فى حقيقة الأمر مجرد علاج لأعراض الفيروس وليست علاجا صريحا ونهائيا للفيروس نفسه ، وقد تضر هذه الأدوية شخصا وتنفع شخصاً آخر.

 ومن يتابع الأزمات والكوارث الإنسانية يتأكد -وبما لا يدع مجالا للشك- أن المتاجرة بمعاناة الناس وأوجاعهم وآلامهم ليست جديدة ولا مستحدثة مع أزمة فيروس كورونا بل هى ظاهرة سلبية تتكاثر فى أوقات الأزمات والكوارث، فنحن لسنا فى المدينة الفاضلة التى كان يتمناها ويدعو لها الفيلسوف العظيم أفلاطون .. فهناك أشخاص يعيشون بيننا لا يغتنون إلا على حساب الفقراء حيث قلوبهم لا تعرف الرحمة .. وأبصارهم أعماها الجشع حتى إنهم صاروا يتلذذون بمص دماء الفقراء قبل الاستيلاء على أموالهم .. هؤلاء هم فئة من التجار تستغل أزمات الوطن ونكباته من أجل تضخيم ثرواتهم.

وقد أكدت لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر الشريف أنه فى ظل ما يشهده العالم من معاناة بسبب انتشار فيروس كورونا الوبائى فإن فئة من التجار تتطلع إلى تضخيم ثرواتهم، على حساب حاجة الناس، والإتجار بآلام الناس ومعاناتهم، وعدم الاعتبار  بأية أعراف أو قوانين أو اعتبارات إنسانية ، وأشارت اللجنة فى هذا الصدد إلى أن الاحتكار وهو حبس الشيء عن البيع والتداول بقصد إغلاء سعره، محرم شرعا بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ»، وقوله: «من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله ورسوله»، وقوله أيضا: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه" ، فضلًا عن تلك النصوص الصريحة القاطعة فى النهى عن الاحتكار فإن القواعد العامة للشريعة الإسلامية تفيد النهى عن الاحتكار لما فيه من الإضرار بالناس، وذلك أن المحتكر يمتنع عن بيع شيء يحتاج إليه الناس وهذا ظلم، والظلم حرام، والاحتكار لا يقتصر على منع السلع من التداول وحسب، بل إن تواطؤ البائعين على البيع بالسعر الفاحش تحقيقا للأرباح الطائلة ما هو إلا صورة من صور الاحتكار، كما أن ترويج الشائعات عن نقصان سلعة معينة أو ارتفاع سعرها حتى يقبل الناس على تخزين المزيد منها حتى يزداد الطلب عليها فترتفع أسعارها هو أيضاً نوع من أنواع الاحتكار ، وصورة من صور الاستغلال المحرم.

وحتى نضع أيدينا على الصورة بالكامل علينا أن نعى جيداً أن التجارة في الإسلام لا تنفصل عن معنى العبادة، والتاجر المسلم يتعبد لله تعالى بتجارته كما يتعبد بصلاته وسائر عبادته، وإذا انتبه التاجر  لهذا المعنى استيقظ ضميره، وعفت نفسه عن التطلع إلى ما حرم لله ورسوله.