◄ أوراق مصر فى المواجهة لا تنفد.. والدبلوماسية المصرية تحذر من انهيار أمن المنطقة . ◄ كيف استطاع

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب: « يد الله تحرس مصر » الملف الكامل لأزمة سد النهضة من التفاوض إلى التصعيد أمام مجلس الأمن

الإعلامى محمد فودة  الشورى
الإعلامى محمد فودة


أوراق مصر فى المواجهة لا تنفد.. والدبلوماسية المصرية تحذر من انهيار أمن المنطقة .

كيف استطاعت مصر ضبط النفس فى مواجهة الاستفزازات الإثيوبية؟

معادلة معركة الوجود تحققها مصر بجيش قوى وشعب واعٍ وإعلام يواجه .

على الرغم من أن قرار إحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان مفاجئًا للكثيرين فإننى كنت وما زلت أرى أن هذا الملف، بالشكل الذى تديره القيادة السياسية، ما يزال به الكثير والكثير، وهناك العديد من الأوراق سوف تظهر بكل تأكيد فى الوقت المناسب، فمصر دولة كبيرة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ ولا تتعامل مع مثل هذا النوع من القضايا الشائكة بالعواطف أو الانفعالات، ولا تتعامل مع القرارات بالتسرع، فالسياسة الخارجية المصرية تعتمد على الكثير من الثوابت التى هى بكل تأكيد تشكل قوة وقدرة مصر على التعامل مع المشكلات الدولية والأزمات الإقليمية بقدرة فائقة على الاحتواء من أجل الوصول إلى النتائج التى تصب فى نهاية الأمر فى مصلحة الشعب وبما يليق بدولة كبيرة فى حجم ومكانة مصر على المستويين الدولى والإقليمى.

لقد دعت مصر فى طلب الإحالة إلى مجلس الأمن أن يتم التدخل من جانبه، وذلك من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث «مصر وإثيوبيا والسودان» التفاوض بحسن نية تنفيذًا لالتزاماتها، وفق قواعد القانون الدولى، من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة الإثيوبى، والمطالبة أيضًا بعدم اتخاذ أى إجراءات أحادية من جانب إثيوبيا قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق عادل يرضى جميع الأطراف.

وهنا فإنه علينا أن نتوقف قليلًا أمام هذا الأمر الذى يحوى فى طياته نبل الهدف ومشروعية الطلب ومصداقية الغاية، فقد استند خطاب مصر الموجه إلى مجلس الأمن على المادة ٣٥ من ميثاق الأمم المتحدة التى تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أى أزمة من شأنها أن تتسبب فى تهديد الأمن والسلم الدوليين.

وهنا قد يتساءل البعض: ماذا يعنى لجوء مصر لمجلس الأمن؟ وهل هذا هو نهاية المطاف بالنسبة لمصر أم أن هناك المزيد من الخطوات فيما بعد؟. والحق يقال إنه وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن وجود أى خطوات أخرى فإن العقل والمنطق يشيران إلى أن مصر ستلجأ بكل تأكيد إلى ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحل المنازعات «سلميًا» للفصل فى قضية سد النهضة، خاصة أن تقديم التوصيات من ضمن اختصاصات مجلس الأمن فى هذا الميثاق، وتتمتع قرارته بأنها «إلزامية أدبيًا» ويستطيع مجلس الأمن أن يباشر صلاحيته فى توصية أطراف النزاع باتباع وسائل معينة لتسوية النزاع سلميًا، وإذا تحول النزاع إلى تهديد حقيقى للسلم أو فى طريقه لإشعال أعمال العدوان، فهذا يعنى أن يتخذ المجلس الإجراءات الرادعة تطبيقًا للفصل السابع من الميثاق الخاص بمجلس الأمن، فيستطيع المجلس أن يأمر إثيوبيا مثلًا بوقف ملء السد لحين توقيع الاتفاق النهائى مع مصر والسودان على القواعد الفنية المتعلقة بطرق الملء، والوقت الذى يمكن أن يتم فيه عملية الملء، وأيضًا توقيتات تشغيل السد.

ومن خلال قراءة متأنية فى دستور مجس الأمن، فإنه بإمكان المجلس أيضًا إحالة النزاع لمحكمة العدل لأنه نزاع قانونى، كما يمكن لمجلس الأمن أيضًا أن يُصدر قرارًا بإلزام إثيوبيا بالرضوخ للمطالب المصرية المشروعة والعادلة، خاصة أن مصر تمتلك حجة قانونية أقوى، وستكون الكفة فى صالحها إذا ما وصل الأمر إلى محكمة العدل الدولية.

والملف الكامل لأزمة سد النهضة من التفاوض إلى التصعيد أمام مجلس الأمن يبدأ على وجه الخصوص منذ عام ٢٠١٤ مع تولى الرئيس «السيسى» مقاليد الحكم، فقد اتخذت مصر عقب ثورة 30 يونيو الخيار التفاوضى فى تعاملها مع أزمة سد النهضة مستندة إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة، والتى تنم عن رغبة فى تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، والتشارك فى مواجهة التحديات التى تواجه القارة الإفريقية، وتوسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف، والسعى لإيجاد رؤية مشتركة بين مصر وإثيوبيا لحل تداعيات إنشاء سد النهضة، وإعلاء مبدأ «لا ضرر ولا ضرار» فى المفاوضات المشتركة بين الدول الثلاث، والتعبير فى نفس الوقت عن المخاوف بشأن التأثيرات السلبية للسد على الأمن المائى، خاصة بعد صدور «إعلان مالابو» الذى أدى إلى عودة المفاوضات مرة أخرى بعد انقطاع دام ثمانية أشهر، وتوقيع وثيقة إعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبى.

وقد صدر هذا الإعلان فى 28 يونيو 2014 على هيئة بيان مشترك، ونص على أن الطرفين قد قررا تشكيل لجنة عليا تحت إشرافهما المباشر لتناول كل جوانب العلاقات الثنائية والإقليمية فى المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والأمنية. كما أكد الطرفان محورية نهر النيل كمورد أساسى لحياة الشعب المصرى ووجوده، وكذلك إدراكهما لاحتياجات الشعب الإثيوبى التنموية.

ثم جاء الاجتماع الرابع على مستوى وزراء الرى فى البلدان الثلاثة فى الخرطوم، وبالتحديد فى أغسطس 2014، بعد ثمانية أشهر من الانقطاع، والتى تم خلالها الاتفاق على آلية لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية بشأن سد النهضة.. ووقع الجانبان على البيان الختامى برعاية سودانية، والذى نص على تشكيل لجنة خبراء رباعية من الدول الثلاث، بجانب الاستعانة بشركة استشارية دولية لإجراء الدراستين الإضافيتين للسد، كما أقر البيان اختيار خبراء دوليين لحسم أى خلاف قد يظهر إبان النتائج النهائية فى فترة أقصاها أسبوعان.

وبعد ذلك حدثت جولات التفاوض خلال عامى 2014 و 2015، وكانت الجولة الأولى فى أديس أبابا، حيث تمت صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية الوطنية وقواعدها الإجرائية، والاتفاق على المعايير العامة لتقييم واختيار الشركات الاستشارية الدولية الموكل إليها أعمال الدراسات الفنية وجاءت جولة «16 أكتوبر 2014» فى القاهرة، حيث تم خلالها الإعلان عن قواعد اختيار المكاتب الاستشارية المنفذة للدراسات الفنية، حيث تم الاتفاق على 7 مكاتب استشارية عالمية واختيار واحد من بينها لتنفيذها.

بينما كانت جولة «5 مارس 2015» فى الخرطوم بالسودان، وكان هدف هذه الجولة تقييم العروض الفنية والمالية المقدمة من 4 شركات دولية لتنفيذ الدراسات الفنية المطلوبة للسد، وتم الاتفاق على وثيقة المبادئ بين الدول الثلاث، وتلتها جولة «23 مارس 2015» فى الخرطوم، حيث وقعت الدول الثلاث خلال هذه الجولة إعلان المبادئ الذى كان يحدد إطار التزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل يشمل 10 مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة فى مبادئ القانون الدولى الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، بجانب إرفاق ورقة شارحة حول إيجابيات الاتفاق وانعكاساته على علاقات الدول الثلاث، تمثل هذه الوثيقة الجسر الواصل بين أطراف القضية للوصول إلى اتفاقات تفصيلية بين الدول الثلاث حول القضايا المرتبطة بالسد، بينما جاءت جولة «22 يوليو 2015» فى العاصمة السودانية الخرطوم، وهى الجولة السابعة لاجتماعات اللجنة الفنية، وأصدرت بيانًا يتضمن قواعد وأطر عمل المكتبين الاستشاريين الدوليين معًا فى إجراء الدراسات المطلوبة لسد النهضة الإثيوبى، وحددت موعد ١٢ أغسطس ٢٠١٥ لتسلم العرض الفنى المعدل.

وكانت أهم إيجابيات اتفاق إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة تتمثل فى المقارنة الدقيقة بين وضع مصر قبل التوقيع على إعلان المبادئ وبعده، وتشير إلى أن إعلان المبادئ قد جاء فى توقيت مهم لإزالة حالة القلق والتوتر التى خيمت على العلاقات المصرية الإثيوبية، نتيجة الخلافات حول موضوع سد النهضة. كما أن الاتفاق تضمن عشرة مبادئ أساسية تحفظ فى مجملها الحقوق والمصالح المائية المصرية، وتتسق مع القواعد العامة فى مبادئ القانون الدولى الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق قد تناول تلك المبادئ من منظور علاقتها بسد النهضة وتأثيراته المحتملة على دولتى المصب، وليس من منظور تنظيم استخدامات مياه النيل التى تتناولها اتفاقيات دولية أخرى قائمة ولم يتم المساس بها.

كما أن الإيجابية الرئيسية التى يمنحها اتفاق المبادئ، هى أنه نجح فى سد الثغرات التى كانت قائمة فى المسار الفنى، وأهمها التأكيد على احترام إثيوبيا لنتائج الدراسات المزمع إتمامها، وتعهد الدول الثلاث بالتوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوى فى ضوء نتائج الدراسات. فضلًا عن ذلك فإن الاتفاق أسس، ولأول مرة، لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق فيما يتعلق بتشغيل السدود فى الدول الثلاث، كما أن الاتفاق يتضمن للمرة الأولى آلية لتسوية النزاعات بين مصر وإثيوبيا، من ضمنها التشاور والتفاوض والوساطة والتوفيق، وكلها أدوات نص عليها القانون الدولى لتسوية أى خلافات قد تطرأ حول تفسير أو تطبيق بعض النصوص.

وهنا فإن من يتتبع هذا التسلسل فى التعامل المصرى مع قضية سد النهضة يلمس بوضوح انحياز مصر، وعلى طول الخط، إلى الالتزام بالتفاوض، والانحياز للطرق السلمية فى الحصول على حقوقها التاريخية فى مياه النيل.

وهنا السؤال الذى يطرح نفسه بقوة، كيف استطاعت مصر ضبط النفس فى مواجهة الاستفزازات الإثيوبية؟.. وهنا يجب أن نعى جيدًا مسألة مهمة فى هذا الشأن تتمثل فى عبقرية معادلة معركة الوجود التى تحققها مصر.. وهذه المعادلة فى تقديرى الشخصى تستند إلى ثلاثة عناصر رئيسية مهمة وهى أن مصر تمتلك جيشًا قويًا يحتل المرتبة التاسعة عالميًا، أما العنصر الثانى يتمثل فى وجود شعب واعٍ يعى جيدًا حجم التحديات التى تهدد وجوده، بينما العنصر الثالث فهو أننا نمتلك «إعلام دولة»، بكل ما تحمله الكلمة من معنى هذا الإعلام، يضطلع بالدور المنوط به، حيث يواجه التحديات بتوضيح الحقائق ومساندة الدولة فى كل تحركاتها الإقليمية والعالمية من أجل الحصول على الحق المشروع والعادل فى مياه النيل باعتبارها «دولة مصب» ولها حق تاريخى وحصة مصانة من مياه نهر النيل.