◄ الدبلوماسية المصرية أدارت مفاوضات السد باحترافية شديدة وأغلقت الطرق أمام مراوغات إثيوبيا. ◄

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب: كيف ننتصر فى معركة «سد النهضة»؟ ادعمـوا قائـدكم وثقـوا فـى خطــواته

الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشفية  الشورى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشفية


الدبلوماسية المصرية أدارت مفاوضات السد باحترافية شديدة وأغلقت الطرق أمام مراوغات إثيوبيا.

مصر ليست داعية حرب.. لكنها تجيد الدفاع عن مصالحها وأمنها القومى.

لا بد من حشد الشعب المصرى كله خلف قيادته فى معركة سد النهضة.

لن نفرط فى حقوقنا ولن نصمت على تدليس أديس أبابا.

البيانات المصرية الرسمية تضع النقاط على الحروف أمام العالم فى أزمة السد .

لا شك أن مشكلة إثيوبيا وسد النهضة هى الأخطر فى تاريخ مصر، خاصة أن من أبرز تداعيات تلك المشكلة أن مصر قد تدخل فى مرحلة الخطر والفقر المائى.. ولأن هناك فرقا كبيرا بين المخاطر التى يمكن مجابهتها وتفاديها وبين المخاطر الوجودية التى يتحدد على ضوء معطياتها الوجود من عدمه، فمصر وكما هو معروف للجميع دولة كبيرة تضم ساحة صحراء شاسعة يشقها نهر النيل الذى يعيش على جانبيه المصريون لذا فإنه بدون هذا النهر سوف تتحول مصر إلى فراغ صحراوى كبير وبالتالى فإن ذلك سوف يؤثر على وجه الحياة بالكامل على أرض مصر.

لذا فإننى أرى أن قضية النيل والمياه قضية فى حد ذاتها هى قضية حياة ووجود، خاصة أن هناك خطرا حقيقيا يهدد حصة مصر من النيل، وهنا ينبغى أن نعى جيدًا أن مشروع بناء سد النهضة يمكن أن يلحق بمصر هذا النوع من الأخطار المعروف باسم "الخطر الوجودى".

على الرغم من أن مصر لم تكن فى يوم من الأيام دولة متعدية على حقوق الاخرين بل إنها وبعد مفاوضات مريرة ومتعثرة فإن مطلب مصر فى هذه المفاوضات متواضع جدًا ومشروع وعادل وهو أن يتم الملء دون توقف ولكن بالتدريج وعلى عدة سنوات لحين إيجاد بدائل أخرى لنا فى الحصول على المياه من مصادر اخرى، خاصة أن إثيوبيا قد استغلت فترة الاضطرابات فى 2011 وقامت بالبدء فى بناء سد النهضة ضاربة عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية فى هذا المجال.

وهنا أود أن ألفت النظر إلى مسألة فى غاية الأهمية تتمثل فى أن إيمان مصر بالحلول السياسية والسلمية قائم على قناعة كاملة، فالمعروف عن الدبلوماسية المصرية أنها لا تستسلم وأنها تعتمد على سياسة النفس الطويل وهو ما جعلها تتمكن من إغلاق الطريق أمام مراوغات الجانب الإثيوبى فى التفاوض سواء كان ذلك بشكل مباشر أو فى ظل وجود شريك، كما حدث فى المفاوضات التى أجريت تحت رعاية أمريكية.. وبعيدا عن كل ذلك فإنه لا يزال فى جعبة الدبلوماسية المصرية الكثير من الأوراق، منها على سبيل المثال، أن الدول والشركات التى تعمل فى السد لا يمكن أن تواصل عملها فى ظل هذا الخلاف، وتوقيع مصر بالأحرف الأولى على وثيقة البنك الدولى جعلها تملك «ورقة سياسية» قوية للغاية.

كما أن قوانين المنظمة العالمية للأنهار العابرة للحدود تشترط التوافق بين الدول المشاركة فى الأنهار عند قيام أى دولة بإنشاء السدود، كما أن البنك الدولى وصندوق النقد الدولى يرفضان تمويل أى سد عليه خلاف، كذلك يمكن لمصر الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وحتى محكمة العدل الدولية لمنع إثيوبيا من اتخاذ خطوات أحادية، وتسمح المادة الخامسة من اتفاق المبادئ الذى وقعته القاهرة والخرطوم وأديس أبابا فى 22 مارس 2015 لمصر بإدخال أطراف ووسطاء جدد مثل روسيا والصين، بالإضافة إلى أن العالم بات يدرك هشاشة الأوضاع فى منطقة القرن الأفريقى وشرق أفريقيا.

والان وبعد أن دخلت قضية سد النهضة هذا المنعطف الخطير فى من حيث التعنت الإثيوب ى على الرغم من تقديم القاهرة مقترحًا فنيا عادلًا يراعى مصالح إثيوبيا واحتياجاتها للكهرباء من السد، دون الإضرار بالمصالح المائية المصرية، وحصتها من المياه والمقدرة بنحو 55 مليار متر مكعب بحسب الاتفاقيات التى وقعت بين مصر وإثيوبيا وما ينوب عنهما (فى بروتوكول روما 1891/ أديس أبابا 1902/ لندن 1906/ روما 1925/ إطار التعاون بين مصر وإثيوبيا 1993)، والتى نصت جميعها على الحفاظ على الموارد المائية لدولتى المصب والتعهد بعدم الإضرار بالمصالح المائية من خلال إنشاء سدود أو مشاريع تعرقل تدفق المياه إلى تلك الدول بدون الرجوع إلى قادة الدول الثلاث والاتفاق فيما بينهم. وعلى ضوء عدم وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى النتائج المرجوة بعد مرور كل هذه المفاوضات المباشرة منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ فى ٢٠١٥، فان الوضع بحاجة إلى إيجاد دور دولى فاعل لتجاوز الموقف الحالى، والتعثر فى المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل لاتفاق عادل ومتوازن يقوم على احترام مبادئ القانون الدولى الحاكم لإدارة واستخدام الأنهار الدولية، والتى تتيح للدول الاستفادة من مواردها المائية دون الإضرار بمصالح وحقوق الأطراف الأخرى.

فمصر عقب ثورة 30 يونيو انحازت للخيار التفاوضى فى تعاملها مع أزمة سد النهضة مستندًة إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة والتى تنم عن رغبة فى تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا والتشارك فى مواجهة التحديات التى تواجه القارة الإفريقية وتوسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف والسعى لإيجاد رؤية مشتركة بين مصر وإثيوبيا لحل تداعيات إنشاء سد النهضة وإعلاء مبدأ " لكل رابح" فى المفاوضات المشتركة بين الدول الثلاث والتعبير فى نفس الوقت عن المخاوف بشأن التأثيرات السلبية للسد على الأمن المائى خاصة بعد صدور إعلان مالابو الذى أدى إلى عودة المفاوضات مرة أخرى بعد انقطاع دام عدة أشهر وتوقيع وثيقة إعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبى .

واللافت للنظر أن قضية المياه تحتل أهمية قصوى فى استراتيجيات دول العالم، نظرا لخطورتها وتأثيراتها، فالماء هو أهم عناصر الأمان السياسى والاقتصادى والاجتماعى لأى دولة، خاصة أن تقارير الأمم المتحدة تحذر من أن العالم سيعانى نقصا فى المياه بنسبة ٤٠٪، خلال الـ١٥ عاما المقبلة، ما يؤدى إلى نتائج وخيمة، كالفشل فى إنتاج المحاصيل، وتوقف الصناعة وتزايد الفقر والأوبئة، ونشوب نزاعات حول الماء، الاستنتاج نفسه توصلت إليه كارين بايبر الأستاذة بجامعة ميسورى الأمريكية التى درست نزاعات المياه بقارات العالم، وأصدرتها فى كتاب "ثمن العطش: ندرة المياه والفوضى القادمة"؛ فالطلب العالمى على المياه سيزيد ٥٥٪ بحلول ٢٠٥٠، ويزيد الأمر تفاقما ضغوط مؤسسات التمويل الدولية على الدول لخصخصة المياه باعتبارها سلعة.

وبنظرة دقيقة إلى خريطة العالم نجد أن 148 دولة تتشارك أنهارا عابرة للحدود، تمثل بؤرا قابلة للاشتعال أو التعاون، وفى حوض النيل أسهم النهج الإثيوبى، فى مفاوضات سد النهضة، مع مصر والسودان، برفع منسوب التوتر، إذ تواصل التعنت والمراوغة، وتصر على التنكر لما تم التوافق عليه فى واشنطن، بعدما تفلتت من توقيع الاتفاق، بل إن سيليشى بيكيلى وزير المياه قال أمام مؤتمر للأحزاب الإثيوبية- لحشد الجماهير خلف الحكومة فى قضية السد- إن بلاده لا تقبل بالحقوق التاريخية لمصر فى النيل، ولم يفته أن يؤلب بقية دول الحوض أيضا، هكذا تطلق أديس أبابا ضربة البداية فى تحويل حوض النيل لساحة توتر، خاصة أن أراضى شرق السودان شهدت عدوانا من العصابات المدعومة من الجيش الإثيوبى، بما يعكس أطماع إثيوبيا فى أراضى السودان ومياه مصر التى تعتمد على النيل فى تلبية 97% من احتياجاتها.

هكذا تخالف إثيوبيا قوانين المياه الدولية، وما تنطوى عليه من قواعد ومبادئ والتزامات، كما أنها تغض النظر عن قواعد هلسنكى لتفسير حقوق المياه بين الدول.

يحدث ذلك على الرغم من أن النيل يجرى لمصر قبل آلاف آلاف السنين، وحقوقها المكتسبة راسخة وفقا لأى شريعة أو قانون، وإن كانت القاهرة تعانى إجهادا مائيا شديدا، فإنها تفهمت حاجة أديس أبابا للتنمية والكهرباء ووافقت على بناء السد، أما سياسة أفقر جارك التى تتبعها إثيوبيا مع دولتى المصب فلن تزيد الموقف إلا تصعيدا، برغم ذلك يظل الحل القائم على المنفعة المتبادلة ممكنا، وفقا لمبدأ عدم الإضرار.

ومن متابعتى عن كثب لما تمر به أزمة سد النهضة الإثيوبى فإن لى عدة ملاحظات أوجزها فى أن القيادة السياسية الحكيمة تسير وفق رؤى وآليات راسخة تستهدف فى المقام الأول الحفاظ على مصالح مصر وما تمثله من مسألة أمن قومى وهو فى تقديرى يتطلب من كافة فئات الشعب الوقوف خلف القيادة السياسية وتقديم الدعم الشعبى لكل ما يتم اتخاذه من خطوات وإجراءات من شأنها الحفاظ على حقوق مصر التاريخية، فمصر دولة كبيرة وقادرة على الرد والردع فى الوقت الذى تحدده وفق ما تقتضيه المصالح العليا ووفق معطيات الأمن القومى الذى هو دائما فى أولوية السياسة المصرية سواء فى الداخل أى الخارج.