◄ التجاوز فى حق «إمام الدعاة» أمر بغيض ينبئ بتفشى آفة الجهل بين الأجيال الشابة من يعرف الشيخ محمد

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

د.حسن راتب يكتب: التطاول على « الشعراوى ».. حماقة يتركبها « الصغار» وضعاف النفوس

د. حسن راتب - صورة أرشفية   الشورى
د. حسن راتب - صورة أرشفية


التجاوز فى حق «إمام الدعاة» أمر بغيض  ينبئ بتفشى آفة الجهل بين الأجيال الشابة 

من يعرف الشيخ محمد متولى الشعراوى عن قرب يعى جيدًا أن  هذا الاسم قيمة وقامة لا يمكن النيل منه بأى حال من الأحوال، وهذا هو حال الأولياء والصالحين.. لذا فإن ما أثير مؤخرًا حول هجوم البعض على فضيلة الشيخ محمد متولى الشعرواى أقل ما يوصف به أنه شىء قمىء يبعث فى النفس الشعور بالاشمئزاز  والإحساس بالرغبة فى الغثيان لأن التطاول على أصحاب القامات العالية أمر بغيض ينبئ بتفشى آفة الجهل بين الأجيال الشابة بقيمة هؤلاء الأخيار من علمائنا الأفاضل، الذين كانوا وما يزالون مصدرا مهما نستلهم منه المزيد والمزيد من الطاقة الإيجابية التى تعيننا على أنواء الحياة.

والحديث فى هذا الموضوع يأتى من منطلق علاقتى المباشرة التى ربطتنى بفضيلة الإمام محمد متولى الشعراوى من ذكريات كثيرة ستظل محفورة فى وجدانى ساكنة فى قلبى تحمل بداخلها نبض الحياة.. ولأن الأيام تمر والسنون تذوب وتتلاشى فلا يقطع رتابة الحياة إلا إحياء تلك النوعية من الذكريات الجميلة، لذا فإننى أردت أن  أكتب عن الشيخ الشعراوى..  ولا شك أن  تشكيل ملامح شخصية الإنسان تساهم فيها بشكل فعال عوامل كثيرة، فالإنسان ابن البيئة المحيطة به ولذلك فالأسرة هى النواة الأولى التى تشكل جزءا كبيرا من ملامح شخصية الإنسان، تلك الأسرة التى تتكون من الأب والأم والأشقاء والأصدقاء  والمدرسة والمعلم.. وهذه العناصر كلها تمثل البيئة الحاضنة التى تساهم  فى تشكيل ملامح الشخصية للمرء  ناهيك عن الثقافة والفن بكل أنواعه وإبداعاته باعتبارها أدوات مهمة فى تهيئة المناخ الصحى لأن نبدع ونتألق .

وعلى الرغم من ذلك تبقى أهم العوامل التى تساهم فى تشكيل ملامح الشخصية، وهى التى تتمثل فى القدوة والإعجاب بالبطولة والأسوة الحسنة التى تؤثر فى الإنسان فيتأثر بها ويتأسى بسلوكها، فتطبع عليه تلك الملامح. ورحم الله الأستاذ العقاد حينما أبدع وكتب العبقريات  كان يريد أن  يعطى لنا أمثلة للقدوة والبطولة، وقال إن  الدرجة التى تلى البطولة مباشرة هى الإعجاب بالبطولة لأن الإعجاب يزرع الحب فى القلوب والحب يولد التقليد والتقليد يؤدى إلى الاعتياد والاعتياد حتما يحقق التحقق فيتحقق فيك سلوك ما أحببته ويصبح بالفعل بمثابة القدوة والأسوة.. ومن هنا فإننى شعرت بانزعاج شديد  من جراء تلك الحملة البغيضة التى شنها بعض الجهلاء ضد فضيلة الإمام العارف بالله الشيخ محمد متولى الشعراوى، الذى أقر وأعترف وأشهد له بالفضل والجميل بعد والدى رحمه الله.. فقد كان رحمه الله وأسكنه فسيح جناته أكثر من ساهم فى تشكيل ملامح شخصيتى حيث منحنى مساحات من المعرفة وقدرا من العلم المكنون الذى لا يطلع عليه ولا يعرفه إلا العارفون وهو العلم الذى يطلق عليه اسم التقوى.. تصديقًا لقول المولى عز وجل  ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ﴾.

من هنا فإن ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعى حول الإمام جعلنى أحلق بعيدًا فى سماوات المعرفة وفى أجمل الذكريات، حيث أسترجع معها أحلى أيام حياتى التى عشتها فى معيته، فقد كنت محظوظًا بأننى عشت سنوات أنعم فى رحابه الطيبة المباركة.. كم كنت أذهب لحضرته فى حالة انقباض من مشاكل ومعاناة الحياة وقسوة الظروف ويشهد الله أننى ما إن  أنعم بالجوار والحوار حتى أشعر براحة البال وتتغير حالة القبض إلى حالة البسط ويرفع الله عنى الهم والغم، ففى الاقتراب منه تحل المشاكل والمعضلات بأبسط الحلول وأيسرها فكنت أخرج من الجلسة وكأننى شخص غير الذى دخل، فقد كنت أخرج منشرح السريرة مستشرفا للغد متطلعا للعمل وتكمن بداخلى طاقة إيجابية عظيمة وهمة عالية وتوكل على الله.. إنها الطاقة الإيمانية التى يمنحها الأولياء والعارفون للمحبين .

لقد عشت ردحًا من الزمان  وحقبة كاملة كنت أسعد فيها بالجوار وأنعم بالحوار فامتلأ الفؤاد حبًا وعشقًا وارتوت الجوارح بأعظم المشاعر والأحاسيس.. كم سعدت عينى لرؤياه  وكم شنفت أذنى بسماع حكاياه وكم كانت ممشاتى خطاه ومسعاتى لقاه وكل سعادتى فى مجالسته ومحاكاته.. تعلمنا منه الكثير وأخذنا عنه العلم الوفير وقبل هذا وبعد هذا معرفة العارفين. سمعنا منه ما لم نسمعه من قبل ورأينا معه ما لم نره إلا فى معيته، وأدركنا طريق الحق فسرنا على الدرب  فهوالواصل الموصول الموصل المحب للحبيب المصطفى  سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

ومن خلال معايشتى لفضيلته فإنه كان متصوفًا إلى أبعد مدى وكان يقول إن  الصوفى هوالذى يتقرب إلى الله بفروض الله، ثم يزيدها بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، من جنس ما فرض الله، وأن يكون عنده صفاء فى استقبال أقضية العبادة، فيكون صافيًا لله، وكان فضيلته يرى أن  كل إنسان وصل إلى الله بطريق من الطرق، أو صيغة من الصيغ، يعتقد أن  الطريق الذى سلكه إلى الله هو أقصر الطرق، ولذلك اختلف الناس لأن وسائل عبادة الله متعددة، فإذا دخل إنسان من باب وطريق وأحس أنه نقله وأوصله إلى الله، بادر إلى نقله لمن يحب، الأمر الذى دفع فضيلته إلى القول بأن معنى أن  هناك طرقا صوفية يرجع إلى أن  أناسا قد وصلوا إلى الصفاء من الله سبحانه وتعالى، وجاءتهم الإشراقات والعلاقات التى تدل على ذلك فى ذواتهم.

ولمن لا يعرف فإن الشيخ الشعراوى ولد فى الخامس عشر من شهر إبريل من عام 1911م، فى قرية تسمى دقادوس التابعة إلى مركز ميت غمر الذى يتبع لمحافظة الدقهلية فى جمهورية مصر العربية، وفى الحادية عشرة من عمره حفظ القرآن الكريم، والتحق بمعهد الزقازيق الابتدائى الأزهرى فى عام 1922م، حيث ظهرت عليه علامات النبوغ، وحفظه للشعر منذ صغره، وحصل فى عام 1923م على الشهادة الابتدائية الأزهرية، والتحق بالمعهد الأزهرى الثانوى بعد ذلك، وكان مميزًا بين زملائه بنبوغه، وقوة حفظه، حيث اختير رئيسًا لاتحاد الطلبة، كما اختير رئيسًا لمجع أدباء الزقازيق. أراد أبوه أن  يأخذه إلى الأزهر الشريف فى القاهرة فرفض، لكنه أصرّ على إرسال الشيخ محمد هناك، فدفع تكاليف السفر والسكن له، وقال لابنه: أعلم أن  هذه ليست جميعها مقررة لك، ولكننى اشتريتها لكى تذهب إلى الأزهر الشريف، وفى عام 1937م التحق الشيخ محمد متولى الشعراوى بكلية اللغة العربية فى الأزهر الشريف.

وشيئًا فشيئا ذاع صيته وأصبح أشهر مفسرى معانى القرآن الكريم فى العصر الحديث، حيث فسرها بكل بساطة ووضوح، مما جذب الكثير من المسلمين فى أنحاء العالم للاستماع إليه وكان يلقب بإمام الدعاة.

عاش الشيخ الشعراوى حياة طويلة يتصارع مع المرض ونتيجة ذلك المرض أصبح غير قادر على قراءة القرآن الكريم، لذلك كانت الطريقة الوحيدة لسماعه للقرآن الكريم هى أنّه طلب من أحد أن  يجلس بقربه ويقرأ القرآن الكريم، فإذا أخطأ يستيقظ الشيخ الشعراوى ليصحح له الخطأ، ثمّ أصبحت حالته الصحية سيئة جدًا ونام الشيخ مستقيمًا على سريره حتى يشعر براحة وبعدها توفى رحمه الله عام 1998 عن عمر يناهز 87 عامًا.