الثلاثاء 01 يوليو 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

د. خالد الطوخى يكتب : « المسئولية المجتمعية » صمام أمان للجميع

د.خالد الطوخى - صورة
د.خالد الطوخى - صورة أرشفية

هناك اعتقاد خاطئ لدى البعض بأن ما تقوم به بعض المؤسسات والكيانات الاقتصادية الكبرى سواء من أنشطة خيرية أو مبادرات إنسانية ما هى إلا نوع من الوجاهة الاجتماعية أو أنها مجرد أنشطة «مصنوعة» من أجل تحقيق «شو إعلامى» بينما هى فى حقيقة الأمر تمثل جانباً مهما وعملاً إنسانيا عظيماً يستحق الإشادة ويتطلب من الجميع تقديم الدعم والرعاية والمساندة .. فهذه المبادرات الإنسانية والمشروعات الخيرية  تمثل اتجاهاً مهماً معمولا به فى مختلف أنحاء العالم ويعرف باسم المسئولية المجتمعية للمؤسسات .. والتى تستمد أهميتها وقوتها فى نفس الوقت من كونها امتداداً لتلك الحالة التى يشهدها المجتمع وسط أجواء العديد من المبادرات التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مجالات الصحة والتعليم والطفولة والخدمات الاجتماعية والإنسانية وجميعها تصب فى صالح الفرد والمجتمع على حد سواء .

والمسئولية المجتمعية التى أتحدث عنها تعتمد فى الأساس على فكرة أنه ينبغى على الشركات والكيانات الاقتصادية الكبرى أن توازن بين أعمال تحقيق الربح والأعمال التي تفيد المجتمع ويستوجب  ذلك إقامة علاقات إيجابية بالمجتمع المحيط بهذه الكيانات الاقتصادية وفى هذا الصدد جاء تأكيد المنظمة الدولية للمعايير (ISO) بأن العلاقة بالمجتمع والبيئة التي تعمل بها الشركات والمؤسسات والكيانات الاقتصادية الكبرى هي «عامل حاسم» من شأنه الإسهام بشكل لافت للنظر  فى أن يستمر العمل بشكل فعال.إلى جانب أن تلك الأنشطة المتنوعة التى تندرج تحت الالتزام  بالمسئولية المجتمعية يمكن أن يتم استخدامها أيضاً وبشكل مؤكد كمقياس لمستوى الأداء العام لهذه المؤسسة أو تلك.

وهذه المسئولية المجتمعية تعتمد فى المقام الأول على الهدف النبيل من ورائها والذى يتمثل فى أنه من الواجب على الأشخاص والشركات العمل لمصالح بيئتهم العليا ومجتمعهم بأسرهم. الأمر الذى دفع العديد من الشركات بجعل المسئولية المجتمعية جزءاً أساسياً من مخططات شركتهم وببساطة شديدة فإن  هذه المسئولية المجتمعية تقوم فى كثير من الأحيان بمساعدة تلك الكيانات الاقتصادية الكبرى التى تقوم بها في بناء سمعة جيدة وبالتالى فإن ذلك من شأنه أن يحقق لها المزيد من النجاح والتقدم.

وعلى الرغم من أن  مفهوم المسئولية المجتمعية من المفاهيم الحديثة في مجتمعاتنا العربية إلا أن هذا الاتجاه الإنسانى كان قد ظهر وبشكل مبكر في الدول الغربية حيث إنه جاء  نتيجة لاحتياج المجتمع المدني  لهذا النوع من الأنشطة باعتبار أن المسئولية المجتمعية تعد واحدةً من دعائم الحياة المجتمعية الهامة كما أنها تمثل وسيلة من وسائل تقدم المجتمعات فمن المعروف أن قيمة الفرد في مجتمعه تقاس بمدى تحمله المسئولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين أيضاً .

واللافت للنظر فى هذا الشأن أن التعريف الصادر عن البنك الدولي حول مفهوم المسئولية المجتمعية يشير أيضاً إلى أنها عملية نبيلة تتعلق فى المقام الأول كونها التزاما أخلاقيا من جانب أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم ومجتمعهم المحلي لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد. والمسئولية المجتمعية من وجهة نظري هي شراكة قائمة بين مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المختلفة لتحقيق التنمية المستدامة في العديد من الجوانب التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وهنا تبرز أهمية وضرورة أن نسعى لأن نطور مفهوم المسئولية المجتمعية بحيث يجب علينا جميعاً أن نهتم بتنميتها في مؤسسات المجتمع وعلى وجه الخصوص الأسرة وحينما أقول الأسرة فإننى أعنى هنا الأسرة التى تعد الركن الأول في غرس قيم المسئولية المجتمعية لدى أبنائها وهذا ليس مجرد كلام إنشائى أو من نسج الخيال وإنما هو نابع من  نتائج الدراسات التي تشير إلى أن الطفل يتشكل بنسبة 80٪ من قيمة ومبادئه والتزاماته الأخلاقية داخل محيط الأسرة.. بينما كافة المؤسسات التربوية بمختلف أنواعها وأشكالها  نجدها تلعب دورا هاما وبارزا في تنمية مفهوم المسئولية المجتمعية وذلك في إطار بناء القيم الوطنية والبيئية والصحية من خلال ما يتم تقديمه فى الكتب المدرسية والبرامج التعليمية والأنشطة الطلابية بمختلف أنواعها وأشكالها .

وهذا الأمر فى تقديرى الشخصى يتطلب المزيد من الإجراءات والخطوات التى ينبغى أن يشارك فيها الجميع من أجل تفعيل روح العمل بمفهوم المسئولية المجتمعية وأعتقد أن مؤسسات الإعلام يقع على عاتقها الآن دور مهم  في تشكيل وتنمية المسئولية المجتمعية وذلك بالطبع من خلال طرح مواضيع ذات علاقة بهذا الموضوع  وإبراز دور المؤسسات والشركات والكيانات الاقتصادية الكبرى التي تساهم في هذا المجال، فضلا عن ذلك فلا أحد يمكن بأى حال من الأحوال أن ينكر دور الإعلام الكبير في نشر التجارب الناجحة في المجتمع. وللجامعات أيضا دور مهم في تشكيل وتنمية المسئولية المجتمعية وذلك يمكن أن يتم من خلال تدريسها هذا النوع من العمل العام في الكليات وإعداد البحوث وبرامج النشاط الطلابي المناسبة بالشراكة مع مؤسسات المجتمع الأخرى ليس هذا فحسب بل  إن الجامعات تستطيع أن تنظم المؤتمرات العلمية لتطوير المسئولية المجتمعية، وللقطاع الخاص دور مؤثر ومعزز في تنمية المسئولية المجتمعية من خلال التنمية الوطنية المستدامة والجهود التي يقدمها ويساهم فيها.

وللأسف الشديد ظلت فكرة المسئولية المجتمعية محل جدل كبير ومصدر شك فى أهدافها لدى الكثيرين خاصة فيما يتعلق بنشاط الشركات والمؤسسات والكيانات الاقتصادية الكبرى حيث يعتقد البعض أن الشركة ليس شرطاً  أن يكون بها ضمير اجتماعي وهو ما أشار إليه الخبير الاقتصادى ميلتون فريدمان بقوله إن «المسئوليات الاجتماعية للشركات تعد ملحوظة بسبب عدم دقتها» لذا فقد ذهب  فريدمان بقوله إن الأشخاص فقط قد يكون لديهم حس بالمسئولية الاجتماعية، بينما الشركات لا تستطيع القيام بذلك على أكمل وجه بحكم طبيعتها حيث يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن المسئولية الاجتماعية فى حد ذاتها فكرة ظهرت لتتحدى الهدف الحقيقي من وجود أى شركة أو مؤسسة وهو الربح الذى يضعه البعض فوق أي شيء آخر حتى فوق الالتزامات الأخلاقية والأدوار الإنسانية تجاه الآخرين.

وهنا أتوقف طويلاً أمام تلك المبادرات الإنسانية التى تتم فى أماكن كثيرة على أرض مصر فى إطار المسئولية المجتمعية وخاصة تلك الأنشطة والمبادرات المتعلقة بصحة المواطنين وتقديم الرعاية للفئات الأكثر احتياجاً حيث تكمن أهميتها فى كونها نابعة من جانب المؤسسات والكيانات الاقتصادية من أجل ترسيخ مفهوم العمل الإنسانى والخدمى فى المجتمع باعتباره دوراً مهماً يفرضه الواجب الإنسانى ووفق الالتزامات الأخلاقية تجاه المجتمع المحيط بها.

خلاصة القول نحن فى حاجة إلى المزيد من الأنشطة والمبادرات الإنسانية التى تتم وفق مفهوم «المسئولية المجتمعية» التى تعد بحق صمام أمان للمجتمع ككل سواء بالنسبة للكيانات التى تقوم بها أو لأفراد المجتمع أنفسهم  حيث يوجد عدد كبير من الذين يرغبون في عمل الخير وتقديم أنشطة إنسانية من خلال قنواتها الرسمية ولكن قد يعذر البعض في ضعف دوره في تنمية المسئولية المجتمعية بسبب عدم معرفته بالآليات التي يمكن أن يقدمها لذا فإننى أرى أن كل مواطن أو مؤسسة أو كيان اقتصادى يستطيع أن يشارك في التنمية المستدامة من خلال المشاركة في الجوانب التعليمية والاجتماعية والصحية حتى يساهم في النهضة الحضارية التي يعيشها وطننا.

فالمسئولية المجتمعية ليس ترفاً أو نوعا من الوجاهة .. إنها قيم ومشاعر تتحرك في جسد كل إنسان لكي يصبح له بصمة داخل المجتمع المحيط به سواء كان ذلك في حياته أو حتى بعد رحيله.

تم نسخ الرابط