كنا نعمل من أجل تحرير إفريقيا، وكنا نعمل فى تضامن مع زعماء إفريقيا الأحرار، وكنا نعمل من أجل التضامن الإفريقى

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

أحمد سعد يكتب : سد النهضة ...أزمات صنعت فى مصر

  الشورى


كنا نعمل من أجل تحرير إفريقيا، وكنا نعمل فى تضامن مع زعماء إفريقيا الأحرار، وكنا نعمل من أجل التضامن الإفريقى، واستطعنا أن نصل إلى اتفاقات ونصل إلى نتائج تسير مع المنطق؛ لأن الاستعمار أطلق إسرائيل فى إفريقيا، وكان يعتقد أنه بهذا أطلق كلبه الأمين ليمهد له الأرض فى إفريقيا، انخدع الإفريقيون بعض الوقت، ولكن تنبهوا أن إسرائيل هى صنيعة الاستعمار الجديد، إسرائيل هى رأس جسر للاستعمار، إسرائيل ليست إلا مقدمة للاستعمار، وليست إلا ستار الاستعمار؛ على هذا الأساس سرنا لنساعد شعوب إفريقيا من أجل حريتها ومن أجل استقلالها.

هذه كلمات مقتطفة من خطاب الرئيس جمال عبد الناصر من ميدان الجمهورية في يوليو ١٩٦١ في العيد التاسع لما سمي بالحركة المباركة لضباط الجيش ضد النظام الملكي 

وما أطلق عليه لاحقا ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ بعد أن أيدت قطاعات واسعة من الشعب المصري هذه الحركة.

ومن المعروف تاريخيا أن دولة ما بعد الاستقلال في مصر قد دعمت الثورات وحركات التحرر في إفريقيا ماديا وسياسيا وعسكريا وهو ما أعطي مصر نفوذا كبيرا داخل القارة، خاصة بعد حصول تلك الدول على استقلالها في بداية الستينيات من القرن الماضي. وحتى الآن قلما تجد عاصمة إفريقية بدون تمثال لجمال عبد الناصر أو شارع رئيسي يحمل اسمه بصفته أحد القيادات التاريخية في القارة وأحد رموز النضال ضد الاستعمار.

وقد أعاق هذا النفوذ خطط إسرائيل للوجود داخل القارة، رغم سعيها الحثيث لإقامة علاقات قوية مع الأفارقة لأسباب جيوسياسية واقتصادية متعددة. 

فقد كان ثيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة يتعمد الربط بين سنوات الشتات اليهودي والهجرة القسرية لملايين الأفارقة إلى أمريكا في القرن الخامس عشر والتاسع عشر والتي استمرت إلى بدايات القرن العشرين. 

وبعد استقلال الدول الإفريقية، حاول دافيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل وجولد مائير (وزيرة الخارجية في هذه الفترة) الترويج للتشابه بين الظروف الإفريقية والإسرائيلية، حيث مرحلة بناء الدولة والاعتماد على الذات واستمالة الأفارقة عن طريق تبادل الخبرات العلمية الزراعية والعسكرية، بل 
وتقديم دعم ومنح مباشرة.

وبالرغم من هذا فقد كان انحياز معظم الدول الإفريقية دائما لصالح مصر، وتجلى هذا بعد حرب ١٩٦٧ والتي أبدت فيها إفريقيا تعاطفا كبيرا مع مصر، وحرب ١٩٧٣ حينما قاطعت معظم الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. فقد كان لإسرائيل علاقة دبلوماسية مع خمس وعشرون دولة إفريقية، تقلصت بعد حرب ١٩٧٣ مباشرة إلى خمس دول فقط.

وفي عصر الرئيس السادات، وبخاصة بعد إتمام اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام ١٩٧٩، بدأت مصر طواعية في الانسحاب التدريجي من المشاركة الفاعلة في القضايا الإقليمية والقارية وانتهجت سياسة "مصر أولا" حيث التركيز على الشأن الداخلي 

والقضايا التنموية فيما يسمى بسياسة الانكفاء على الذات. 

وتحولت سياسة مصر الخارجية إلى الانفتاح على الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والتي رأت فيها القيادة السياسية ضمانا للاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة. وتحولت السياسة الاقتصادية تحولا جذريا وسريعا نحو قواعد السوق الحرة (ولو كان ظاهريا) بحثًا عن نموذج تنموي جديد.

ولم تختلف سياسة مصر كثيرًا في عصر مبارك، حيث المهادنة مع الغرب من أجل الاستقرار والبحث المتواصل عن نموذج للتنمية، وانحسر دور مصر الخارجي في لعب دور الوسيط في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وقد جاء الاختبار الحقيقي الأول للسياسة الساداتية/ المباركية في أعقاب انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، حيث بدت مصر عاجزة نوعا ما عن التأثير في الأحداث في الوقت الذي تزايدت فيه حدة الغضب الشعبي تجاه ما يحدث للفلسطينيين من مذابح على يد الجيش الإسرائيلي. ثم جاءت أحداث ١١ سبتمبر وما تبعها من غزو العراق ثم ارتفاع أسعار البترول وتزايد نفوذ الدول الخليجية النفطية إقليميا وتراجع النفوذ المصري في المقابل كاشفا فشل السياسات التي انتهجها النظام في تحقيق أهدافها.

وفي يوليو ٢٠١٦، بدت الصورة مغايرة تماما عن هذا السياق التاريخي. فلأول مرة منذ عقود، تستقبل دول إفريقية رئيس الوزراء الإسرائيلي ومعه وفد دبلوماسي كبير وأكثر من خمسين رجل أعمال حملتهم أربع طائرات من تل أبيب إلى منابع نهر النيل، حيث جلس بنيامين نتنياهو منتشيًا بزيارته التاريخية لأربع دول (وهى بالترتيب أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا) ولقائه بقيادات ثلاث دول أخرى وهى دول جنوب السودان، وتنزانيا 
وزامبيا. إسرائيل تعود إلى إفريقيا، هكذا تحدث رئيس الوزراء.

ويأتي هذا في الوقت الذي تبدو فيه خيارات مصر محدودة في التعامل مع ملفاتها الإفريقية الشائكة، حيث تعاني من الصلف الإثيوبي في المفاوضات الخاصة بسد النهضة والتي أبدت فيها القيادة الإثيوبية تعنتا غير مسبوق، رغم انخفاض سقف المطالب المصرية من الاعتراض على فكرة إنشاء السد من الأساس إلى الموافقة المشروطة ببعض المتطلبات الفنية للتقليل من تأثيره على حصة مصر من مياه النيل.

وقد أثارت جولة نتنياهو الإفريقية في هذا التوقيت حالة من الغضب في مصر، ووجدها البعض فرصة لممارسة هواية جلد الذات وإفراغ شحنة من الكآبة المتوارثة عن أجيال 

وأيديولوجيات سياسية مهزومة، بينما وجدها خصوم النظام فرصة للانتقام منه ولو سياسيا، وبالقطع لم ينس مروجو المؤامرات نصيبهم من الحفل، حيث المؤامرة الصهيو أمريكية لتعطيش المصريين وحصارهم وما إلى ذلك من أحاديث معروفة

وقد حان الوقت ليتوقف هذا العبث المتمثل في تعليق فشل السياسات المصرية في العقود الأخيرة على المؤامرات الخارجية وتضخيم القدرات الإسرائيلية إلى الحد الذي يجعلها تأمر فيتلوث هواء القاهرة وتشتعل الفتنة الطائفية بين المصريين وتبني سدودا بالوكالة لتعطيش مصر وحرمانها من حقها في المياه.

فالحقيقة أن معظسند  حيث فشلت أنظمة ما بعد الاستقلال في خلق نموذج نهضوي معاصر يمكن من خلاله أن تتفاعل وتؤثر في محيطها الخارجي، بل وفشلت حتى في استيراد نموذج تنموي حديث مثلما فعل العديد من الدول النامية بعد انتهاء الحرب الباردة.

نعم قدمت مصر لدول إفريقيا تجربة رائدة في مقاومة الاستعمار في منتصف القرن الماضي، ولكنها شاركتهم الفشل بعد ذلك في إجراء أي تحول سياسي واقتصادي ملموس من أجل التنمية ورفاهية الشعوب. 

لقد عانت إفريقيا طويلا من الاستعمار ولكنها عانت أيضا بعد الاستقلال من غياب الحكم الرشيد على يد أنظمة حكم شمولية أغلبها ديكتاتوريات عسكرية فشلت جميعا في تحقيق أي تقدم يذكر، بل وتسببت في المجاعات 
والحروب الأهلية مثل تلك التي حدثت في رواندا والكونغو الديمقراطية في التسعينيات من القرن الماضي. 

وحتى بعد انتهاء الحرب الباردة واتجاه المؤسسات الدولية المانحة لفرض بعض شروط الحوكمة والتحول الديمقراطي نظير إقراض هذه الدول المتعثرة، نجحت هذه الأنظمة الديكتاتورية في المناورة طويلا، حيث أقامت أشكالا نمطية من الديمقراطية الإجرائية والتي لم تسمح بمنافسة حقيقية للأحزاب الحاكمة أو النخب المسيطرة على مقادير الأمور في هذه البلاد.

ولكن مؤخرًا بدت في الأفق مؤشرات حقيقية على التغيير المؤسسي في إفريقيا. ففي بداية التسعينيات، كانت هناك فقط ثلاث ديمقراطيات في القارة وهى موريتيوس 

وبتسوانا وجامبيا، أما الآن فأكثر من ربع دول إفريقيا يتمتع بأنظمة ديمقراطية وقد حققت تقدما في مجال الحوكمة وحقوق الإنسان (مثل غانا والسنغال وتنزانيا وسيراليون وبنين وليسوتو)، بينما البعض الآخر به أشكال ديمقراطية حتى وإن كانت غير مستقرة حتى الآن.

هل تعلم أن هناك خمس دول إفريقية مصنفة بين أكثر عشر اقتصاديات نموًّا في العالم؟ نعم إثيوبيا وتنزانيا وموزمبيق وغينيا وساحل العاج من الدول الأسرع نموا في العالم، بل إن إثيوبيا هي الدولة الأسرع عالميا بحسب بيانات البنك الدولي لعام ٢٠١٥.

العالم يتغير وإفريقيا جزء منه، يجب علينا النظر إلى ما يمكن أن نقدمه حقا إلى هذه الدول، بدلا من الاستمرار في الحديث غير المفيد عن الريادة التاريخية ودور المدرس 
والمهندس والطبيب المصري في بناء بلدان إفريقيا والوطن العربي.

الآن إفريقيا مسرح تجاري واقتصادي كبير لأمريكا وأوروبا والصين وتركيا وإسرائيل، هل نستطيع منافسة هؤلاء؟ وماذا يمكن أن نقدم؟

الحق أقول لكم: نستطيع تقديم الكثير إن أردنا... فحتى من ناحية البراجماتية السياسية، فإن مصالح الدول الإفريقية مع مصر والكتلة العربية داخل النظام الدولي ما زالت أكبر من إسرائيل. فقط يجب علينا تقديم النموذج الفاعل للتنمية. إذ لا تُبنى الدول فقط بالنية الحسنة، ولكن بسياسات فاعلة ورقابة قوية من مؤسسات مستقلة، ولا مؤسسات مستقلة بدون سياسة.

سمعت أحدهم يقول: لو كان عبد الناصر حيًّا لما استطاعت إثيوبيا بناء السد، وأترك لكم التعليق.

الخبير السياحى : أحمد سعد